تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الاسْتِدْرَاكُ الأوَّلُ: أنَّ كُتُبَ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»، و «الزَّوَائِدِ»، لم تُؤلَّفْ ولم تُصَنَّفْ سَلَفًا وخَلَفًا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ إلَّا لأرْبَعَةِ أمُوْرٍ في الأعَمِّ الغَالِبِ:

الأوَّلُ: أنَّها لم تُؤلَّفْ عِنْدَ غَالِبِ أصْحَابِهَا إلَّا بقَصْدِ التَّقْرِيْبِ لأحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ، بحُجَّةِ أنَّ كَثِيْرًا مِنْ طُلَّابِ العِلْمِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِم قَدْ ضَاقَتْ أوْقَاتُهُم، وقَصُرَتْ هِمَمُهُم، وضَعُفَتْ عَزَائِمُهُم عَنْ حِفْظِ ودِرَاسَةِ الأحَادِيْثِ مَتْنًا وسَنَدًا، ولاسِيَّما أحَادِيْثُ الصَّحِيْحَيْنِ.

وهَذَا السَّبَبُ لا نَجِدُهُ (ولله الحَمْدُ!) عِنْدَ هَؤلاءِ الطَّلَبَةِ المُقْبِلِيْنَ بِكُلِّ هِمَّةٍ وعَزِيْمَةٍ على حِفْظِ السُّنَّةِ، فَكَانَ والحَالَةُ هَذِهِ أنْ نَدْفَعَهُم إلى حِفْظِ الأصُوْلِ ابْتِدَاءً بالصَّحِيْحَيْنِ والسُّنَنِ، وانْتِهَاءً بالمَسَانِيْدِ والمَعَاجِمِ وغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ السُّنَّةِ، ولَيْسَ هَذَا على الله بعَزِيْزٍ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ r عِنْدَ مُسْلِمٍ أنَّهُ قَالَ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أمَّتِي ظَاهِرِيْنَ على الحَقِّ، لا يَضُرُّهُم مَنْ خَذَلَهُم؛ حَتَّى يَأتي أمْرُ الله، وهُمْ كَذَلِكَ»، وقَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ أهْلِ العِلْمِ على أنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ: هُمْ أهْلُ الحَدِيْثِ في الجُمْلَةِ.

وقَدْ صَحَّ أيْضًا عَنْهُ r أنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ أمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ لا يُدْرَى أوَّلُهُ خَيْرٌ أمْ آخِرُهُ» أخْرَجَهُ أحْمَدُ وغَيْرُهُ، بإسْنَادٍ حَسَنٍ.

وقَالَ r : « نَضَّرَ الله امْرأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ» أخْرَجَهُ التَّرْمِذِيُّ وغَيْرُهُ. وغَيْرَهُ مِنَ الأحَادِيْثِ الدَّالَّةِ على بقَاءِ الطَّائِفَةِ المَنْصُوْرَةِ الحَافِظَة للسُّنَّةِ والأثَرِ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، ومَجيءِ أمْرِ الله تَعَالى!

* * *

وعَلى هَذَا؛ فَقَدِ انْصَرَفَتْ وُجُوْهُ أهْلِ العِلْمِ الكِبَارِ عَنِ الاشْتِغَالِ بكُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»، سَوَاءٌ في حِفْظِهَا أو مُدَارَسَتِهَا أو شَرْحِهَا، فَضْلًا أنْ يَتَّخِذُوْهَا مَنْهَجًا للحِفْظِ، وطَرِيْقَةً للتَّلْقِيْنِ: إلى دِرَاسَةِ وحِفْظِ وشَرْحِ أصْلِ «الصَّحِيْحَيْنِ»!

يُوَضِّحُهُ؛ أنَّ عَامَّةَ أهْلِ العِلْمِ المُعْتَبَرِيْنَ (سَلَفًا وخَلَفًا) لم يَكُوْنُوا عِنْدَ تَحْدِيْثِهِم أو شَرْحِهِم: يَعْزُوْنَ الأحَادِيْثَ النَّبَوِيَّةَ إلى كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ» إلَّا عِنْدَ اعْتِبَارَاتٍ خَاصَّةٍ هِيَ مِنْ شَأنِ المُشْتَغِلِيْنَ بالحَدِيْثِ، ولاسِيَّما عِنْدَ ذِكْرِ بَعْضِ زِيَادَاتِ الحُمَيْدِيِّ في كِتَابِهِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَاداتُ في السَّنَدِ أو المَتْنِ، أو غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الاعْتِبَارَاتِ العَارِضَةِ التي يَطُوْلُ ذِكْرُهَا، ومَعَ هَذَا أيْضًا لم يَكُنْ دَيْدَنُهُم هُوَ النَّقْلُ أو التَّحْدِيْثُ أو العَزْوُ إلى كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»!

وأدَلُّ شَيءٍ عَلى هَذَا أيْضًا: هُوَ مَا كَتَبَهُ وحَرَّرَهُ أهْلُ العِلْمِ قَدِيْمًا وحَدِيْثًا في كُتُبِهِم ورَسَائِلِهِم ومَقَالاتِهِم وإمْلاءَاتِهِم ... الشَّيءُ الَّذِي يَدُلُّنَا صَرَاحَةً إلى أنَّ تَصَرُّفَاتِ أهْلِ العِلْمِ وعَزْوَهَم وإحَالاتِهِم عِنْدَ التَّحْدِيْثِ والتَّألِيْفِ والعَزْوِ: هُوَ مَا كَانَ مِنْهُم إلى أصُوْلِ كُتُبِ السُّنَّةِ ابْتِدَاءً بالصَّحِيْحَيْنِ، وانْتِهَاءً بالسُّنَنِ الأرْبَعِ، وغَيْرَهَا مِنْ كُتُبِ الأصُوْلِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير