تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الاسْتِدْرَاكُ الثَّالِثُ: ومِنَ الاسْتِدْرَاكَاتِ أيْضًا أنَّ التَوَسُّعَ في حِفْظِ ونَشْرِ ودِرَاسَةِ كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ» بَيْنَ طُلَّابِ العِلْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وسَائِرٌ هَذِهِ الأيَّامَ مِنْ خِلالِ هَذِهِ الدَّوْرَاتِ العِلْمِيَّةِ: يُعْتَبرُ في حَقِيقَتِهِ دَعْوَةً صَرِيحَةً إلى مُزَاحمَةِ أصْلِ «الصَّحِيْحَيْنِ»، ورُبَّما أدَّى ذَلِكَ إلى هَجْرِ «الصَّحِيْحَيْنِ» ولَو في الأمَدِ البَعِيْدِ، عَلِمْنَا هَذَا أم جَهِلْنَاهُ!

يُوَضِّحُهُ أنَّ طَائِفَةً مِنْ كُتُبِ المُخْتَصَرَاتِ (الحَدِيْثِيَّةِ والفِقْهِيَّةِ واللُّغَوِيَّةِ والتَّارِيْخِيَّةِ وغَيْرَهَا) قَدْ أخَذَتْ شُهْرَةً أكْبَرَ مِنْ أُصُوْلهَا، بَلْ إنَّ بَعْضَهَا قَدْ غَلَبَ وغَالَبَ الأُصُوْلَ؛ بسَبَبِ أنَّها نَالَتْ خِدْمَةً واهْتِمامًا مِنْ قِبَلِ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ؛ الأمْرُ الَّذِي جَعَلَهَا تَفُوْقُ أُصُوْلهَا شُهْرَةً وانْتِشَارًا، كَمَا هُوَ مَعْلُوْمٌ للجَمِيْعِ.

وعلى هَذَا؛ فَإنَّهُ يُخْشَى مِنْ هَذِهِ الدَّوْرَاتِ العلْمِيَّةِ أنْ تَكُوْنَ سَبَبًا في نَشْرِ كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ» بَيْنَ طُلَّابِهَا مَا بَيْنَ دَوْرَةٍ وحِفْظٍ وفَهْمٍ ومُرَاجَعَةٍ، ورُبَّما تَدْفَعُهُم إلى شَرْحِهَا (كَمَا سَيَأتي ذِكْرُهُ!)، الشَّيءَ الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ في الأمَدِ القَرِيْبِ أنْ تَكُوْنَ صَارِفَةً عَنْ أُصُوْلِ كُتُبِ السُّنَّةِ الَّتِي عَرَفَهَا المُسْلِمُوْنَ أكْثَرَ مِنْ ألْفِ سَنَةٍ أو يَزِيْدُ.

يُوَضِّحُهُ؛ أنَّ طَائِفَةً مِنْ هَؤلاءِ الشَّبَابِ الَّذِيْنَ أقْبَلُوا على حِفْظِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ» قَدِ اشْتَغَلُوا بِهَا حِفْظًا وفَهْمًا ومُرَاجَعَةً عَنْ أُصُوْلِ «الصَّحِيْحَيْنِ»، بَلْ إنَّ بَعْضَهُم لَيسَ لَهُ هِمَّةٌ في قرَاءَةِ أُصُوْلِ الصَّحِيْحَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أصَحَّا كِتَابٍ بَعْدَ كِتَابِ الله تَعَالى، كَمَا أنَّهُما أصْلُ كُتُبِ السُّنَّةِ بعَامَّةٍ، ومِنْ هُنَا سَيَكُوْنُ الخَلَلُ كَامِنًا في صَرْفِ الطَّالِبِ عَنْ حِفْظِ أصْلِ الصَّحِيْحَيْنَ، وعَلَيْهِ سَوْفَ يُحْرَمُ الطَّالِبُ كَثِيْرًا مِنَ الفَوَائِدِ والعَوَائِدِ العِلْمِيَّةِ والحَدِيْثِيَّةِ، كَمَا سَيَأتي.

* * *

الاسْتِدْرَاكُ الرَّابِعُ: ومِنْهَا أنَّ كُتُبَ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ» لم تَتَقيَّدْ بتَبْويْبَاتِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ الله في صَحِيْحِهِ، لا في تَرْتِيْبِ الأحَادِيْثِ، ولا في تَرْتِيْبِ سَرْدِهَا تَحْتَ تَرَاجِمِ أبْوابِهَا، ممَّا كَانَ سَبَبًا لصَرْفِ فَهْمِ وعِلْمِ أكْثَرِ الطُّلَّابِ عَنْ مَنْهَجِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ الله في تَبْوِيْبِهِ للأحَادِيْثِ، هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ للبُخَارِيِّ في تَبْوِيْبَاتِهِ في الصَّحِيْحِ مَنْهَجًا فَرِيْدًا لَهُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ أئِمَّةِ الحَدِيْثِ والفِقْهِ، وحَسْبُكَ أنَّ طَائِفَةً كَبِيْرةً مِنْ أهْلِ العِلْمِ لم يَغْفِلُوا هَذِهِ الأبْوَابَ، بَلْ قَدِ اشْتَغَلُوا بِدِرَاسَتِهَا وشَرْحِهَا ممَّا يَدُلُّ على أهَمِّيَّتِهَا ونَفَاسَتِهَا لكَوْنِهَا جَمَعَتْ مِنْ فِقْهِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ الله مَا يَصْلُحُ أنْ يَكُوْنَ كِتَابًا جَامِعًا لأكْثَرِ فِقْهِ البُخَارِيِّ، وقَدْ حَصَلَ!

ولهَذَا قَدِ اشْتُهِرَ في قَوْلِ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ: «أنَّ فِقْهَ البُخَارِيِّ في تَرَاجِمَهِ»، وبالجُمْلَةِ فَتَراجِمُ البُخَارِيِّ قَدْ حَيَّرَتِ الأفْكَارَ وأدْهَشَتِ العُقُوْلَ والأبْصَارَ!

ومِنْ هُنَا؛ فَإنَّ تَبْوِيْبَاتِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ الله في صَحِيْحِهِ لهَا شَأنٌ وتَقْدِيْرٌ واهْتِمامٌ كَبِيْرٌ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ سَلَفًا وخَلَفًا، وحَسْبُكَ مِنْهَا كِتَابَ «المُتَوَارِي على تَرَاجِمِ أبْوَابِ البُخَارِيِّ» لنَاصِرِ الدِّيْنِ أحمَدَ ابنِ المُنَيِّرِ رَحِمَهُ الله (683)، وغَيْرَهُ ممَّنْ شَرَحَ صَحِيْحِ البُخَارِيّ، ولاسِيَّما ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانيُّ رَحِمَهُ الله في «فَتْحِ البَارِي» وغَيْرَهُ مِنْ أهْلِ العِلْمِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير