تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومِنْ خِلالِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أهَمِّيَّةِ تَبْوِيْبَاتِ البُخَارِيِّ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ والفِقْهِ؛ فَإنَّ الَّذِي نَخْشَاهُ على طُلَّابِ هَذِهِ الدَّوْرَاتِ العِلْمِيَّةِ وغَيْرِهَا ممَّنْ اقْتَصَرُوا على كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»؛ أنَّهم سَوْفَ يُحْرَمُوا هَذِهِ الفَوَائِدَ الحَدِيْثِيَّةَ، وهَذِهِ الفَرَائِدَ الفِقْهِيَّةَ عِنْدَ اقْتِصَارِهِم على حِفْظِ ومُدَارَسَةِ كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ».

وأمَّا تَبْوِيْبَاتِ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ فَهِي مِنْ صَنِيْعِ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ الله على المَشْهُوْرِ ([3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1038192#_ftn3))، وأيًّا كانَ الأمْرُ فَهِي تَبْوِيْبَاتٌ مُعْتَبرَةٌ مَنْهَجِيَّةٌ فَرِيْدَةٌ في صِيَاغَتِهَا واسْتِدْلالهَا، وقَدْ سَارَ عَلَيْهَا أكْثَرُ الشُّرَاحِ، لِذَا كَانَ الأخْذُ بهَا أوْلى وأسْلَمُ مِنْ إهْمَالهَا، ولاسِيَّما إذَا قَارَنَّاهَا بغَيْرِهَا ممَّنْ جَاءَ بَعْدَهُ ممَّنْ هُوَ دُوْنَهُ عِلْمًا وحِفْظًا ومَكَانةً! وهَلْ الإتِّبَاعُ إلَّا مِنْ هَذَا الطِّرَازِ؟!

* * *

الاسْتِدْرَاكُ الخَامِسُ: ومِنْهَا أيْضًا أنَّ البُخَارِيَّ ومُسْلِمًا رَحِمَهُمَا الله قَدِ الْتَزَمَا في تَرْتِيْبِ وسَرْدِ الأحَادِيْثِ في صَحِيْحَيْهِما مَنْهَجًا فَرِيْدًا خَاصًّا بِهِمَا، وهَذَا ممَّا لا تَجِدُهُ عِنْدَ غَالِبِ مَنْ ألَّفَ وصَنَّفَ في «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»، وهَذَا المَنْهَجُ مَاثِلٌ في طَرِيْقَةِ وتَرْتِيْبِ الأحَادِيْثِ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ والشَّوَاهِدِ والمُتَابَعَاتِ، والإجْمَالِ والتَّفْصِيْلِ، والنَّسْخِ والمَنْسُوْخِ ... فَهَذَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ الله قَدِ الْتَزَمَ في سَرْدِ الأحَادِيْثِ في صَحِيْحِهِ على النَّحْوِ التَّالي:

أنَّه يَبْدَأ في وَضْعِ الأحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ الَّتِي تُعْتَبرُ عِنْدَهُ مِنَ الأصُوْلِ، ثُمَّ يَعْقُبُهَا بالشَّوَاهِدِ والمُتَابَعَاتِ، فلِمُسْلِمٍ ثَلاثُ درَجَاتِ في اخْتِيَارِ الأحَادِيْثِ وسَرْدِهَا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ والشَّوَاهِدِ والمُتَابَعَاتِ.

يَقُوْلُ النَّوَويُّ رَحِمَهُ الله في كِتَابِهِ «المِنْهَاجِ» (26): «الثَّاني: أنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ وَاقِعًا في المُتَابِعَاتِ والشَّوَاهِدِ، لا في الأُصُوْلِ، وذَلِكَ بأنْ يَذْكُرَ الحَدِيْثَ أوَّلًا بإسْنَادٍ نَظِيْفٍ، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، ويَجْعَلُهُ أصْلًا، ثُمَّ يَتْبَعُهُ بإسْنَادٍ آخَرَ، أو أسَانِيْدَ فِيْهَا بَعْضُ الضُّعَفَاءِ، على وَجْهِ التَّأكِيْدِ بالمُتَابَعَةِ، أو لزِيَادَةٍ فِيْهِ تَنْبِيْهٌ على فَائِدَةٍ فِيْما قَدَّمَهُ» انْتَهَى.

وقَالَ ظَفَر أحمَدُ العُثْمانيُّ التَّهَانَوِيُّ رَحِمَهُ الله (1394) في «قَوَاعِدِهِ» (467): «أمَّا إخْرَاجُ مُسْلِمٍ والبُخَارِيِّ عَنْ بَعْضِ الضُّعَفَاءِ، فَلا يَقْدَحُ في صِحَّةِ كِتَابِهِمَا، فَإنَّ مَدَارَهَا على صِحَّةِ الأحَادِيْثِ المُخَرَّجَةِ فِيْهِمَا، لا على كَوْنِ الرُّوَاةِ كُلِّهَا رُوَاةَ الصَّحِيْحِ، فإنَّهُمَا لا يُخَرِّجَانِ للضُّعَفَاءِ إلَّا مَا تُوبِعُوا عَلَيْهِ، دُوْنَ مَا تَفَرَّدُوا بِهِ، على أنَّ الضَّعْفَ والثِّقَةَ مَرْجِعُهُما الاجْتِهَادُ والظَّنُّ» انْتَهَى.

* * *

الاسْتِدْرَاكُ السَّادِسُ: ومِنْهَا أنَّ الحَافِظَ لكُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ» سَوْفَ يَنْصَرِفُ عَنِ الكُتُبِ الشَّارِحَةِ للصَّحِيْحَيْنِ بمُفْرَدَاتِهَا، بمَعْنَى أنَّه سَوْفَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ محَالِّ ومَظَانِّ شَرْحِ الحَدِيْثِ المَوْجُوْدِ في كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»، أيْ أنَّه إذَا أرَادَ أنْ يَقِفَ على شَرْحِ حَدِيْثٍ مَّا ممَّا هُوَ في كُتُبِ «الجَمْعِ»، فَإنَّهُ والحَالَةُ هَذِهِ سَوْفَ يَصْعُبُ عَلَيْهِ غَالِبًا أنْ يَقِفَ على شَرْحِ هَذَا الحَدِيث في مَظَانِّهِ مِنْ كُتُبِ شُرَّاحِ الصَّحِيْحَيْنِ، هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ لكُلِّ كِتَابٍ مِنَ «الصَّحِيْحَيْنِ» أكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ شَرْحًا!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير