تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي كِلا المَوْضِعَيْنِ لم يَقُلْ: «وكِتَابِهِ»، ولا «وكُتُبِهِ»، ولا «المَكْتُوْبَةَ»، ولا ذَكَرَ الإيْمانَ بالقَدَرِ، ولا قَالَ: «سَلُونِي»، فَهَابُوهُ أنْ يَسْألُوهُ، ولا قَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ أرَادَ أنْ تَعَلَّمُوا إذْ لم تَسْألُوا»، ولا قَالَ: «أنْ تَخْشَى الله»، قَالَ: «أنْ تَعْبُدَ الله»، ولا قَالَ: «الصُّمَّ البُكْمَ مُلُوْكَ الأرْضِ»، ولا قَالَ هَذا اللَّفْظَ: «بَعْلَهَا» يَعْنِي السَّرارِي، وقَالَ في التَّفْسِيرِ: إنَّ رَسُوْلَ الله r كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إذْ أتَاهُ رَجَلٌ يَمْشِي»، وقَالَ: «وإذَا كَانَ الحُفَاةُ العُرَاةُ رُؤوْسَ النَّاسِ فَذَلِكَ مِنْ أشْرَاطِهَا».

وقَالَ في كِتَابِ الإيْمانِ: «وإذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الإبِلِ البُهْمِ في البُنْيَانِ» انْتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ الله!

ومِنْ خِلالِ هَذِهِ التَّفْرِيْعَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا الإشْبِيليُّ رَحِمَهُ الله حَوْلَ هَذَا الحَدِيْثِ، ومَا زَادَهُ مِنْ رِوَايَاتٍ ومَا أخْرَجَ مِنْهَا، ومَا بَيَّنَ فِيْهِ مِنْ تَقْدِيْمٍ وتَأخِيْرٍ، ومَا أوْضَحَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَوَاضِعِ الحَدِيْثِ في صَحِيْحِ البُخَارِيِّ وغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الإشْكَالاتِ: نَسْتَطِيْعُ أنْ نُدْرِكَ أنَّ كِتَابَ الإشْبِيليِّ وغَيْرِهِ مِنْ عَامَّةِ كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ» ممَّا الْتَزَمَ أصْحَابُهَا فِيْهَا إيْدَاعَ جَمِيْعَ أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ: أنَّها على جَلالَتِهَا وأهَمِّيَتِهَا لا تَخْلُوا غَالِبًا مِنْ وُجُوْدِ صُعُوْبَةٍ ومُضَايَقَةٍ لمَنْ يُرِيْدُ حِفْظَهَا اسْتِعَاضَةً بِهَا عَنْ أصْلِ «الصَّحِيْحَيْنِ»، الأمْرُ الَّذِي لا نَجِدُهُ في «الصَّحِيْحَيْنِ»، والله المُوَفِّقُ.

ولَنَا أيْضًا وَقْفَةٌ مَعَ أوَّلِ حَدِيْثَيْنِ مِنْ كِتَابِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ» للشَّيْخِ اليَحْيَى؛ كَي نَلْمَسَ حَقِيْقَةَ الصُّعُوْبَةِ والعُسْرِ الَّذِي يَجِدُهُ الطَّالِبُ عِنْدَ حِفْظِهِ للكِتَابِ، كَمَا سَيَأتي ذِكْرُهُ في البَابِ الثَّاني إنْ شَاءَ الله.

* * *

الاسْتِدْرَاكُ الحَادِي عَشَرَ: أنَّ الكَّافَةَ مِنْ أهْلِ العِلْمِ والحَدِيْثِ قَدْ أقَرُّوا وقَطَعُوا ضَرُوْرَةً بسُهُوْلَةِ حِفْظِ «الصَّحِيْحَيْنِ» على انْفِرَادِهِمَا، وأنَّ في حِفْظِهِمَا مِنَ الفَوَائِدِ والفَرَائِدِ مَا لا يُوْجَدُ في غَيْرِهَا، ولاسِيَّما في كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»، فَمِنْ ذَلِكَ باخْتِصَارٍ:

بَرَكَةُ قِرَاءَةِ الأصُوْلِ، وهَذِهِ البَرَكَةُ لَوْ لم يَكُنْ فِيْهَا إلَّا اتِّبَاعُ السَّلَفِ في طَرِيْقَةِ حِفْظِهِم للسَّنَّةِ، وأيْضًا سُهُوْلَةُ الحِفْظِ، وزِيَادَةُ الفَهْمِ، ومَعْرفَةُ مَوَاضِعِ الاتِّفَاقَاتِ والإنْفِرَادَاتِ والزِّيَادَاتِ.

يُبَيِّنُهُ أنَّ الطَّالِبَ إذَا حِفْظَ «الصَّحِيْحَيْنِ»؛ فَلَهُ والحَالَةُ هَذِهِ أنْ يَمُرَّ على حِفْظِ مَا فِيْهِمَا مِنْ مُعَلَّقَاتٍ وآثَارٍ وغَيْرِهَا مِنَ الفَوَائِدِ الحَدِيْثِيَّةِ والفِقْهِيَّةِ ممَّا لا يَجِدُهُ في غَالِبِ كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ».

وأنَّهُ أيْضًا عِنْدَ حِفْظِهِ للصَّحِيْحَيْنِ سَوْفَ يَمُرُّ بفَوَائِدَ كَثِيْرَةٍ جِدًّا مِنْهَا: إمَّا أنْ يَكُوْنَ الحَدِيْثُ الَّذِي حَفِظَهُ ممَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وإمَّا أنْ يَكُوْنَ مِنْ مُفْرَدَاتِ البُخَارِيِّ، أو مِنْ مُفْرَدَاتِ مُسْلِمٍ، فَهَذِهِ الفَوَائِدُ سَوْفَ يَقْتَنِصُهَا الطَّالِبُ مِنْ طَرِيْقَةِ حِفْظِهِ للصَّحِيْحَيْنِ، وهَذَهِ الطَرِيْقَةُ هِيَ مِنْ مَسَالِكَ المُحَدِّثِيْنَ قَدِيْمًا وحَدِيْثًا لمَعْرِفَةِ مَوَاضِعِ الاتِّفَاقَاتِ والإفْرَادَاتِ والزَّوَائِدِ.

وأنَهُ أيْضًا سَوْفَ يَقِفُ على تَبْوِيْبَاتِ وتَرْتِيْبَاتِ «الصَّحِيْحَيْنِ»، ولاسِيَّما صَحِيْحُ البُخَارِيِّ، وهَذِهِ فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا لا يَعْقِلُهَا إلَّا الحُفَّاظُ مِنْ أهْلِ الحَدِيْثِ!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير