الاسْتِدْرَاكُ الأوَّلُ: أنَّ الشَّيْخَ اليَحْيَى حَفِظَهُ الله قَدِ ارْتَسَمَ مَنْهَجًا في تَألِيْفِ كِتَابِهِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ» مِنْ خِلالِ طَرِيْقَةٍ مُبْتَكَرَةٍ عِنْدَ كُلِّ مَنْ جَمعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ، كمَا هُوَ ظاهِرُ خِطَّةِ مُقَدِّمَتِهِ؛ إذْ قَالَ:
المُتَّفَقُ عَلَيْهِ ومُلْحَقَاتُهُ، هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَتْنٍ وحَاشِيَةٍ، فَمَا ألْحِقَ بِهِ ممَّا هُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ البُخَارِيِّ وَضَعْنَاهُ في المَتْنِ بَيْنَ قَوْسَيْنِ، ومَا هُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ مُسْلِمٍ وَضَعْنَاهُ في الحَاشِيَةِ، ومَا قُلْنا عَنْهُ في الحَاشِيَةِ: و «لمُسْلِمٍ» بِدُوْنِ رِوَايَةٍ، فَهُو رِوَايَةُ مُسْلِمٍ لحَدِيْثِ المَتْنِ نَفْسِهِ، ومَا قِيْلَ: و «لمُسْلِمٍ في رِوَايَةٍ»، فَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى لمُسْلِمٍ غَيْرِ رِوَايَةٍ المَتْنِ.
ثُمَّ قَالَ: وكُلُّ أبْوَابِ الكِتَابِ هِيَ أبْوَابُ البُخَارِيِّ في صَحِيْحِهِ إلَّا مَا أشَرْتُ إلَيْهِ بنَجْمَةٍ، هَكَذَا: *.
وقَالَ: أسْمَاءُ الكُتُبِ مُرَتَّبَةٌ حَسبَ كُتُبِ الفِقْهِ.
وقَالَ: ثُمَّ إنَّ الشَّوَاهِدَ والمُتَابَعَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيْهَا أحْكَامٌ جَدِيْدَةٌ لم أُثْبِتْهَا هُنَا إلَّا يَسِيْرًا، ولَكِنْ أُثْبِتُهَا كُلَّهَا في كِتَابِ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ للبَاحِثِيْنَ ... انْتَهَى باخْتِصَارٍ.
قُلْتُ: لَنَا فِيْما ذَكَرَهُ الشَّيْخُ اليَحْيَى حَفِظَهُ الله بَعْضُ المَلْحُوْظَاتِ والاسْتِدْرَاكَاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ:
أنَّه حَفِظَهُ الله قَسَّمَ الكِتَابَ إلى قِسْمَيْنِ: مَتْنٍ وحَاشِيَةٍ، وفي هَذَا خَطَأٌ مَنْهَجِيٌّ في التَّألِيْفِ والتَّصْنِيْفِ، لأمُوْرٍ:
1ـ أنَّ الأصْلَ في تَألِيْفِ الكِتَابِ أنْ يَكُوْنَ مُنْفَرِدًا وخُلْوًا عَنْ كُلِّ مَا يُزَاحِمُهُ، لِذَا فَإنَّ الحَاشِيَةَ عِنْدَ عَامَّةِ المُتَقَدِّمِيْنَ مِنْ أهْلِ العِلْمِ هِيَ في حَقِيْقَتِهَا تُعْتَبرُ كِتَابًا جَدِيْدًا؛ خِلافًا للمُتَأخِّرِيْنَ الَّذِيْنَ عِنْدَهُم وَلَعٌ وشَغَفٌ بذِكْرِ الحَوَاشِي، وقَدْ بَيَّنْتُ مِثْلَ هَذَا الخَطَأ في كِتَابي «صِيَانَةِ الكِتابِ» أسْألُ الله تَيْسِيْرَهُ آمِيْنَ!
وأيًّا كَانَ الأمْرُ؛ فَإنَّ ذِكْرَ كِتَابَيْنِ (مَتْنٍ وحَاشِيَةٍ) في كِتَابٍ وَاحِدٍ سَوْفَ يَكُوْنُ سَبَبًا للتَّشْوِيْشِ والخَلْطِ على حِفْظِ الطَّالِبِ، وهَذَا الصَّنِيْعُ ممَّا لا يَجِدُهُ الطَّالِبُ في حِفْظِ «الصَّحِيْحَيْنِ» على انْفِرَادِهِمَا.
2ـ أنَّ وُجُوْدَ كِتَابَيْنِ (مَتْنٍ وحَاشِيَةٍ) في كِتَابٍ وَاحِدٍ بحُجَّةِ حِفْظِهِمَا، لَيْسَ صَوَابًا، بَلْ فِيْهِ مِنَ المُضَايَقَةِ والمَشَقَّةِ مَا يَعْلَمُهُ كُلُّ بَصِيْرٍ؛ ولَو لم يَكُنْ فِيْهِ مِنَ التَّعْسِيْرِ إلَّا أنَّه يَدْفَعُ الطَّالِبَ عِنْدَ حِفْظِهِ لكُلِّ حَدِيْثٍ إلى اسْتِحْضَارِ مَا يَلي: أنْ يَسْتَحْضِرَ حِفْظَ مَا في المَتْنِ: وهُوَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، ثُمَّ يَسْتَحْضِرُ مَا انْفَرَدَ بِهِ البُخَاريُّ، ثُمَّ يَسْتَحْضِرَ حِفْظَ مَا في الحَاشِيَةِ: وهُوَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ لنَفْسِ رِوَايَةِ الحَدِيْثِ، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ أفْرَادِ مُسْلِمٍ لغَيْرِ رِوَايَةٍ الحَدِيْثِ! وهَذَا وغَيْرَهُ ممَّا يَقْطَعُ بصُعُوْبَةِ ومَشَقَّةِ طَرِيْقَةِ اليَحْيَى في مَنْهَجِ كِتَابِهِ الَّذِي ألَّفَهُ بحُجَّةِ التَّيْسِيْرِ والتَّسْهِيْلِ!
* * *
الاسْتِدْرَاكُ الثَّاني: أنَّ تَضْمِيْنَاتِ مُفْرَدَاتِ البُخَارِيِّ في المَتْنِ بَيْنَ قَوْسَيْنِ، فِيْهِ مُغَالَطَةٌ مَنْهَجِيَّةٌ؛ يَدُلُّ على ذَلِكَ أنَّ اليَحْيَى حَفِظَهُ الله قَدِ الْتَزَمَ بتَصْنِيْفِ كِتَابٍ مُسْتَقِلٍ يَتَضَمَّنُ مُفْردَاتِ البُخَارِيِّ!
¥