تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقُوْلُ: لا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أنَّ «الصَّحِيْحَيْنِ» هُمَا مِنْ أصَحِّ الكُتُبِ بَعْدَ كِتَابِ الله تَعَالى! كَمَا أنَّ الأمَّةَ قَدْ أجْمَعَتْ على صِحَّةِ مَا فِيْهِما إلَّا أحْرُفَ يَسِيْرَةً لَيْسَ هَذَا مَوْطِنَ بَحْثِهَا، كَمَا أنَّهمَا قَدْ نَالا اهْتِمَامًا وعِنَايَةً وخِدْمَةً كَبِيْرَةً مِنْ قِبَلِ أهْلِ العِلْمِ على مَرِّ العُصُوْرِ وطُوْلِ الدُّهُوْرِ مَا بَيْنَ: مُخَرِّجٍ ومُسْتَدْرِكٍ ومُتَتَبِّعٍ ولازِمٍ وشَارِحٍ وكَاشِفٍ ومُعَلِّقٍ ومُغَلِّقٍ ومُخْتَصِرٍ وجَامِعٍ بَيْنَهُما ... إلَخْ.

وهَكَذَا؛ فَقَدْ أخَذَ «الصَّحِيْحَانِ» عِنَايَةً وَاسِعَةً، ومُتَابَعَةً فَائِقَةً عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أئِمَّةِ الإسْلامِ، والحَالَةُ هَذِهِ لمَّا يَنْتَهِ أهْلُ العِلْمِ بَعْدُ مِنْ خِدْمَتِهِمَا حَتَّى سَاعَتِي هَذِهِ، فللَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ!

* * *

وأخِيرًا؛ فَهَاكَ يَا طَالِبَ السُّنَّةِ والأثَرِ طَرِيْقَةَ حِفْظِ السُّنَّةِ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ، كَمَا عَرَفْنَاهَا عَنْهُم، وعَلِمْنَاهَا مِنْهُم، كَمَا تَلَقَّاهَا الخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، واقْتَفَاهَا الأصَاغِرُ عَنِ الأكَابِرِ في مَعْلَمَةٍ حَدِيْثِيَّةٍ، ومَنْهَجِيَّةٍ سَلَفِيَّةٍ، ومَا السُّنَّةُ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيْثِ إلَّا بالإتِّبَاعِ؟!

ثُمَّ اعْلَمْ يَا رَعَاكَ الله؛ أنَّ هَذِهِ الطَّرِيْقَةَ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا بَيْنَ يَدَيْكَ: هِيَ مِنْ خَاصَّةِ رُوَّامِ الحَدِيْثِ، وحُفَّاظِ السُّنَّةِ ... فَإنْ كُنْتَ مِنْهُم فلْيَهْنَئَكَ العِلْمُ حِيْنَئِذٍ، وأحْسِبُكَ مِنْهُم إنْ شَاءَ الله، وهَذَا مَا نَظُنُّهُ ونَلْمَسُهُ اليَوْمَ عِنْدَ طَلائِعِ هَؤلاءِ الطُّلَّابِ الَّذِيْنَ أقْبَلُوا على هَذِهِ الدَّوْرَاتِ العِلْمِيَّةِ لحِفْظِ السُّنَّةِ والأثَرِ، ممَّنْ تَدَثَّرُوا بثَوْبِ الصِّدْقِ والهِمَّةِ، وتَزَمَّلُوا بجِلْبَابِ الرَّغْبَةِ والعَزِيْمَةِ، فَمَنْ هَذِهِ حَالهُمُ فَهُم أجْدَرُ لضَبْط هَذِهِ الطَّرِيْقَةِ، وأوْلى مَنْ يَتَسَنَّمُ نَهْجَهَا، ويَعْلُو ذُرَاهَا، فلَهُم في حِفْظِ السَّلَفِ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ، ولهُم في الخَلَفِ طَرِيْقَةٌ بَاقِيَةٌ!

وإنْ كُنْتَ يَا طَالِبَ العِلْمِ دُوْنَ ذَلِكَ هِمَّةً وعَزِيْمَةً، فدُوْني ودُوْنَكَ تَرْسِيْمَ الطَّرِيْقَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا سَتَأتي، وإنْ كُنْتَ دُوْنَ هِمَمِ وعَزَائِمِ أهْلِ المَرْحَلَتَيْنِ فدُوْنَكَ تَرْسِيْمَ الطَّرِيْقَةِ الثَّالِثَةِ، كَمَا سَنَذْكُرُهَا لَكَ قَرِيْبًا إنْ شَاءَ الله.

* * *

فأمَّا الطَّرِيْقَةُ الأوْلى الَّتِي هِيَ مِنْ شَأنِ حُفَّاظِ السُّنَّةِ، فَتَأتي على ثَلاثِ مَرَاحِلَ، كَمَا يَلي باخْتِصَارٍ:

المَرْحَلَةُ الأوْلى: أنْ يَحْفَظَ الطَّالِبُ «الصَّحِيْحَيْنِ» ابْتِدَاءً بحِفْظِ «صَحِيْحَ البُخَارِيِّ»، ثُمَّ يُعَرِّجُ على حِفْظِ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ» ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1038223#_ftn1))، وهَذِه طَرِيْقَةُ جَمَاهِيْرِ أهْلِ العِلْمِ سَلَفًا وخَلَفًا.

ومِنْهُم مَنْ يُقَدِّمُ «مُسْلِمًا» على «البُخَارِيِّ»، كَمَا هِيَ طَرِيْقَةُ المَغَارِبَةِ، وهَذِهِ الطَّرِيْقَةُ عِنْدَ التَّحْقِيْقِ هِيَ أجْوَدُ حِفْظًا وأتْقَنُ ضَبْطًا، وذَلِكَ لمَنْ رَامَ حِفْظَ «الصَّحِيْحَيْنِ» مَعًا.

وقَدْ قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الرَّحمَنِ الدَّيْبَعُ رَحِمَهُ الله (944):

تَنَازَعَ قَوْمٌ في البُخَارِي ومُسْلِم لَدَيَّ وقَالُوا: أيُّ ذَيْنِ يُقَدَّمُ؟

فَقُلْتُ: لَقَدْ فَاقَ البُخَارِي صِحَّةً كَمَا فَاقَ في حُسْنِ الصِّنَاعَةِ مُسْلِمُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير