وفي كل ما أوردناه من أدلة تثبت لنا أن هذا "المسند" هو من تصنيف يونس بن حبيب -رحمه الله تعالى-.
القول الثاني: أنه من تصنيف أبي داود الطيالسي وممن قال بذلك:
1 - الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك: فقد قال -كما في المدخل ص30 - : "أبو داود الطيالسي هو أول من صنف المسند على تراجم الرجال في الإسلام".
2 - أبو يعلى الخليلي: قال -كما في الإرشاد 2/ 512 - : "أول من صنف المسند على ترتيب الصحابة بالبصرة: أبو داود الطيالسي".
3 - ابن خير الأشبيلي: قال في فهرسته (141): "مسند أبي داود الطيالسي وهو أول مسند صنف في الإسلام".
4 - القرطبي: قال في تفسيره (1/ 9): "مسند أبي داود الطيالسي هو أول مسند صنف في الإسلام".
5 - الحافظ العراقي: قال في فتح المغيث (1/ 50): "مسند أبي داود الطيالسي، ويقال إنه أول مسند صنف".
والجواب عن هذا القول بما يأتي:
1 - ما أوردناه من أدلة صريحة في القول الأول تثبت أن هذا "المسند" ليس من تصنيف أبي داود الطيالسي.
2 - القائل بأن أبا داود الطيالسي هو الذي صنف "المسند" إمام واحد فقط وهو: الحاكم النيسابوري، ومن ذكر دونه فهو تبع له، فإن أبا يعلى الخليلي تلميذ للحاكم، وهو كثير ما يتبع شيخه في كتابه الإرشاد، وهذا أمر يعلمه من له اطلاع عليه.
3 - وأما ما ذكر عن ابن خير الأشبيلي، والقرطبي، والعراقي بأن "المسند هو أول مسند صنف في الإسلام" ليس بلازم منه أن الطيالسي هو الذي صنفه.
4 - على أنا لا نسلم بصحة هذه المقولة - أعني القول بأن أبا داود هو أول من صنف المسند- فقد قال ابن عدي -رحمه الله تعالى- في كتابه الكامل (7/ 239) في ترجمة يحيى الحماني: "أول من صنف المسند بالبصرة مُسَدَّد" ومعلوم أن الطيالسي أعلى طبقة من مسدد، ثم إن قول ابن عدي هذا هو أولى بالقبول ممن سواه ممن كان دونه في الرتبة والطبقة.
وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "مسدد بن مسرهد…يقال إنه أول من صنف المسند بالبصرة".
وقال الحافظ الكتاني في "الرسالة المستطرفة" (ص61): "مسند أبي داود الطيالسي…قيل: وهو أول مسند مصنف، ورد بأن هذا صحيح لو كان الجامع له لتقدمه، لكن الجامع له غيره…".
القول الثالث: أنه من تصنيف أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي:
قال بذلك: الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، قال الذهبي في السير (9/ 382): "وقال أبو بكر الخطيب: قال لنا أبو نعيم: صنف أبو مسعود الرازي ليونس بن حبيب مسند أبي داود الطيالسي".
جوابه:
غاية ما في هذا القول أن أبا مسعود الرازي قد أعان يونس بن حبيب في تصنيفه للمسند، أو أنه انتخب له بعض مروياته عن أبي داود الطيالسي، على أنا لا نسلم بذلك كله، فقد تبين لنا من خلال دراستنا للمسند أن يونس بن حبيب هو وحده الذي صنف هذا المسند وذلك بما يأتي:
1 - ما أوردناه سلفاً في القول الأول بما لا مزيد عليه في الاستدلال بأن يونس بن حبيب هو صاحب المسند.
2 - وجدت في "المسند" كثيراً من الزوائد التي زادها يونس بن حبيب على مرويات شيخه أبي داود الطيالسي، ومن هذه الزوائد: روايته عن حماد بن زيد رقم (622)، وعن حماد بن سلمة وقم (911)، وعن عبد الله بن المبارك رقم (1010)، وعن سفيان الثوري رقم (1720)، وعن عبد الحكم القسملي رقم (2212).
وكذلك ما زاده يونس بن حبيب من مرويات على سبيل المتابعات والشواهد كما في رقم (364، 992).
فلو أن أبا مسعود الرازي هو الذي صنف المسند ليونس بن حبيب - كما ادعاه أبو نعيم- لما كانت هناك حاجة في إيراد هذه الزوائد في المسند.
ولكننا نستفاد من قول أبي نعيم هذا: أن "المسند" ليس من تصنيف أبي داود الطيالسي، وفي هذا ترجيح قوي آخر لإثبات "المسند" ليونس بن حبيب.
القول الرابع: أنه من جمع بعض المتأخرين من حفاظ خراسان:
وممن قال بذلك:
1 - الحافظ ابن نقطة: قال في التقييد (ص489): "ويقال أن هذا المسند جمع له -يعنى ليونس بن حبيب- مما وجد سماعه من أبي داود جمعه له بعض حفاظ الأصبهانيين".
2 - الحافظ السيوطي: قال في التدريب (1/ 175) متعقباً العراقي: "وظن أنه هو صنفه، وليس كذلك، فإنما هو من جمع بعض الحفاظ الخرسانيين، جمع فيه ما رواه يونس بن حبيب خاصة عنه، وشذ عنه كثير منه".
3 - الحافظ الكتاني: قال في الرسالة المستطرفة (ص61): "وهو [جمع] بعض حفاظ خراسان، جمع فيه ما رواه يونس بن حبيب عنه خاصة".
جوابه:
1 - أن هذا القول ظاهر البطلان، فأقدم من قال بذلك -فيما وقفت عليه- هو الحافظ ابن نقطة، ولا يمكن أن ننسب هذا القول إليه، حيث نقله بصيغة التمريض، ثم إنه قال بعد ذلك مباشرة: "حدث عنه -يعني يونس بن حبيب- بالمسند عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس". هذا إقرار من ابن نقطة أن المسند كان بين يدي يونس بن حبيب.
2 - لم يعرج أحد ممن نقل هذا القول باسم ذاك الحافظ الخراساني المتأخر والذي نسب إليه بتجميعه "لمسند" الطيالسي.
3 - من تتبع أقوال العلماء ممن تكلموا على "مسند" الطيالسي عَلِمَ عِلْم اليقين أن "المسند" كان بين يدي يونس بن حبيب وأنه كان مصنفاً في حياته، ومن هذه الأقوال:
أ- قال ابن مردويه في "تاريخ أصبهان" -التقييد ص 88 - : "محمد بن علي بن محمد الجارود أبو بكر…روى "المسند" عن يونس بن حبيب يعني مسند أبي داود الطيالسي".
ب- وكذلك قال أبو الشيخ في طبقاته (3/ 579) في ترجمته ابن الجارود "سمع المسند من يونس بن حبيب".
ج- وقال أبو الشيخ في طبقاته (4/ 299) في ترجمته محمد بن إسماعيل بن سمويه: "وعنده عن يونس بن حبيب المسند".
د- وقال ابن نقطة في التقييد (314) لما ترجم لابن فارس "حدث عن يونس بن حبيب بمسند أبي داود الطيالسي".
ففي هذا الأقوال كلها دليل -لا شك فيه ولا ريب- أن المسند كان بين يدي يونس بن حبيب، وأنه كان يحدث به، وسمعه منه الكثيرون.
وإذا انضاف إلى هذا الدليل ما سبق بيانه في الأقوال الثلاثة -سالفة الذكر- تبين لنا –حقيقة- أن "مسند" الطيالسي هو من تصنيف يونس بن حبيب راوية أبي داود الطيالسي.
هذا وإني أرجو من إخواني الأفاضل أهل الحديث من كان عنده مزيد علم عما ذكرناه فليفدنا به مأجوراً إن شاء الله تعالى.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¥