تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد قلنا أعلاه أن هذا من أوضح الأدلة على أنه كان موافقا له أولا وقت تصنيفه مختصر المستدرك، ولما فتح الله عليه وترجم لجمهور رواة الأحاديث بان له ما كان وافق الحاكم عليه فأنكر أحاديث وضعف رواة ..

ومعرفة أن كتبه التي نقد أو خالف الحاكم فيها هي المتأخرة، أي بعد المختصر بسنين كثيرة فلا إشكال حينئذ .. وهذا من أوضح ما يكون ..

فمن جعلها حجة في أن الذهبي لم يوافق الحاكم لأنه قال بخلافه في كتبه الأخرى - كالميزان مثلا – فقد دلس على ضعاف العقول لأن الفرق بين الكتابين في وقت التأليف واضح جدا ولا يحتاج إلى برهان.

وأنا أتعجب من الأخوة الذين نقلوا أحاديث كثيرة من التلخيص وافق الحاكم عليها ثم جاؤا بما يخالفه في السير أو الميزان أو غيرهما، مستدلين بهذا أنه لا يمكن أن يقر في المختصر وينكر في غيره، فقدموا حكمه المتأخر عن الأول وحاكموا أنفسهم بما لا يجدي نفعا، لأنهم يعلمون أن كتبه الأخيرة حاكمة على كتبه الأولى ..

وقلنا في أول المقال في المسألة الثالثة المتفق عليها بين الطرفين: أن الإمام الذهبي اختصر المستدرك في منتصف عمره وقبل تأليف كثير من كتبه في الرجال

وهذا لا إشكال فيه بين الفريقين وأدلته واضحة لا حاجة إلى ذكرها، فمن المسلم به أن الإمام الذهبي اختصر المستدرك في أوائل تصنيفه بدليل ذكره له في غالب مؤلفاته، ومن المعروف أن البدايات تكون باختصار الكتب النافعة كما هو معلوم.

وقد قال في السير كما سيأتي: ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه، فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهوْل من الموضوعات التي فيه!! فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء!!.

فبين هذا النص أن تعليقه على المستدرك بعد زمان طويل .. وهو تقريبا في منتصف العمر وأوائل التصنيف لما قدمنا ..

فمن قال أنه ألف المختصر وهو في بداياته فقد أخطأ، لتصريح الذهبي أنه كان زمانا طويلا لا يعتقد أن يكون حديث الطير في المستدرك .. وهذا يبين أنه ألفه في منتصف عمره وقبل إخراجه كتب الرجال الأخرى.

والثالث: كم حديثا تعقبه الذهبي أو تعقب أحد رجاله في كتبه الأخرى؟ إن كانت المسألة بالكم والعدد، فلا يتعدى ما نقده الذهبي في المستدرك في كتب الرجال المتأخرة له عن مائة حديث أو أزيد بقليل.

وبالمقابل كم حديثا نقل الذهبي تصحيح الحاكم وأقره عليه؟ لا مقارنة إطلاقا .. إذا فلا يأخذ القليل حكم الكثير فنبني عليه قاعدة مستحدثة لم تظهر في زمن تلاميذ الذهبي مرورا بعصر الشوكاني والصنعاني ثم تلاميذهم حتى عصر المعلمي والألباني وأحمد شاكر وأمثالهم.

ثم قلت أخي الفاضل: [وكيف يفسر إقرارالذهبي للحاكم في كثير من الأحاديث التي فيها علل لا تخفى على محقق في علم الحديث؟]

أقول: أن غالب الأحاديث التي وافق الذهبي فيها الحاكم لا تعدوا ثلاثة أمور:

الأول: أن تكون صحيحة عنده وقتئذ بمعرفته لشواهدها ومتابعاتها، فوافق الحاكم على التصحيح.

الثاني: أنه لم ير تلك العلل لما سبق وبينا أنه ألفه قبل سبره لتراجم الرجال في كتبه المتأخرة كالميزان والعبر والكاشف والسير .. الخ أو أنه رأى هذه العلل غير مؤثرة وقتئذٍ.

الثالث: أنه غره رجال الصحيح الذي يعتمد الحاكم في تصحيحه فيوافقه في ذلك. والله أعلم.

ثم قلت أخي الفاضل: [إن مؤدى القول السابق هو الإساءة للذهبي في تحقيقه ومعرفته بعلم الحديث والرجال،وهو منزه عن ذلك!!]

أقول أولاً: ليس هو بمعصوم، ولا ينزه عن ذلك من هو أفضل منه وأعلى مكانة في علم الحديث كالبخاري ومسلما وأصحاب السنن وأئمة الجرح والتعديل وهلم جرا .. وكم ترك السابق للاحق ..

وثانياً: لو أننا علمنا أن عمل الذهبي في المستدرك كان قبل إخراجه لجل كتب الرجال التي ألفها بعد ذلك لما كان هناك شين يشينه إذ تغير الاجتهاد أمر وارد لا سيما في التصحيح والتضعيف والحكم على الرجال .. وبهذا يزول الإشكال ..

وأخيراً: أقول كحقيقة علمية ظاهرة من صنيع الذهبي وكلامه، أنه والحالة هذه، لا يجوز الاعتماد على تصحيح الذهبي إذ إنه أقر أن عمله في حاجة إلى تحرير وهذا ينطبق على التصحيح والتضعيف على حد سواء، فلا يغتر أحدنا بالتصحيح والتضعيف إلا بعد دراسة الحديث دراسة جيدة ومتابعة جهود العلماء من بعد عصر الذهبي إلى عصرنا .. وهذا ما يقتضيه المنهج العلمي ..

ولا نعني بهذا هدم موضوع المقال كما توهم أحد الأخوة في مكان آخر، إذ موضوع مناقشة إقرار الذهبي شيء، والاعتماد على تصحيحه في المستدرك شيء آخر .. وبينهما فرقا يعرفه اللبيب ..

وعلى كلٍ: أشكر لك مشاركتك الطيبة .. ومرورك العطر ..

وأرجوا أن تعيد قراءة المقال كله بكل ما فيه من ردود ثم تنقد ما تراه على مهل وسأكون مطيعا لك فيما تظهره من خطأ أو تبينه من حق .. جعلني الله وإياك من أهله العاملين به وله ..

وجزاك الله خيرا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير