أن تعقبات الذهبي سواء كانت اختصارا أو إقرارا يجب مراجعتها .. وليس معنى هذا أن المتأخرين أعلم من الذهبي .. وليس كذلك أن الذهبي لا يخطيء فيستدرك عليه المتأخرون .. الميزان العلمي يبين هذا بجلاء ..
أما لماذا اعتمد العلماء المذكورين على تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي؟ فلأن الغالب هو الصحيح والقليل هو المنتقد من الذهبي نفسه في كتبه الأخرى وغيره .. فلا يقاس القليل على الكثير ..
وهل نسبة ما وافق الذهبي فيه الحاكم وأقره عليه يساوي نسبة ما ضعفه هو والعلماء من بعده؟
أليس هذا يوهم القراء أن موافقة الذهبي للحاكم كانت بعدبحث ودراسة وتمحيص لكننا في هذا العصر صرنا أكثر تمحيصا ولهذا نتعقب علىالذهبي؟!
من خطَّأ أو وهًّم الذهبي من المعاصرين كالألباني وشعيب وغيرهما علموا أن عمل الذهبي في المستدرك كان قبل إخراج كتبه الكبرى في التراجم والرجال، فزال الإشكال .. فلا نضرب هؤلاء الأئمة بالإمام الذهبي، فالجميع من مدرسة واحدة، وكل مجتهد ..
وهذا ابن حجر، انظر كم مرة خالف الذهبي في كثير من التراجم ووهمه .. ومع هذا فالجميع في مركب واحد، ولا زال الناس يستدرك المتأخر عن المتقدم وهذا يعد من حسنات البحث العلمي لا الجمود الممقوت.
إن احترام الذهبي بقتضي عدم نقل اختصاره على أنه موافقة للحاكم، فنخرجمن الإشكال ونخرج من انتقاص الذهبي، ورحم الله الجميع، وأجزل لهم المثوبة ..
هذا آخر كلامك في الموضوع وشكر الله لك ..
وقولك: إن من احترام الذهبي .. كذا وكذا ..
فالاحترام الحقيقي أن نضع كلامه في موضعه .. فالذهبي نفسه رحمه الله تعالى له مخالفات لكتبه الأخرى، وعلى سبيل المثال جاء في السير بما يخالف ما جاء في تاريخ الإسلام .. لكون الأول هو من آخر كتبه ..
وله كتابان تقريبا في موضوع واحد أحدهما العلو للعلي الغفار، والثاني كتاب العرش، وبينهما خلاف في بعض المواطن ..
وان عددنا مثل هذا لإمام واحد من أئمة أهل السنة لطال المقام، وهذا ليس بعيب وإنما هو فضيلة لأولئك الأتقياء البررة .. لأنهم يتغير اجتهادهم بمرور الزمن، ومن ثم فيصحح ما ضعف من قبل أو العكس وهذا دلالة على تقواهم لله ربهم ..
وأقرب مثال على هذا منهج الإمام الألباني في كثير من كتبه، وأنت على علم بهذا فلا نتوسع فيه ..
لكني رأيتك في هذه المشاركة ضربت صفحا عن مسألة تقدم مختصر المستدرك على كتب الذهبي في الرجال ولا أدري لماذا؟ مع أن هذا من أوضح الأدلة على تغير اجتهاد الإمام فيعذر حينئذ عما بدر منه في مختصره من موافقات ظهر ضعف بعضها فيما بعد ..
وكلمة الذهبي في السير عن مختصر المستدرك: أنه في حاجة إلى عمل وتحرير تبين هذا بجلاء ..
بل أريك من كلامه ما يؤيد اقراره للحاكم في كثير مما صححه على شرطهما أو على شرط احدهما ..
وهو قوله في السير ردا على الماليني:
بل في المستدرك شئ كثير على شرطهما، وشئ كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب .. الخ
وبغض النظر عن الكم لأن قوله " لعل " غير قاطع في ذلك، وقد يكون لبعد عهده بالعمل في الكتاب ..
لكن من الواضح جدا قوله: في المستدرك شئ كثير على شرطهما، وشئ كثير على شرط أحدهما ..
أليس هذا يعد إقرارا - صريحا من كلامه - على إقراره للحاكم في مختصره؟
بل أقوى من هذا في نظري، كلمة الذهبي نفسه في مقدمة مختصره للمستدرك،،
فقال عن الأحاديث التي لم يتكلم عليها الحاكم أثناء تعليقه على أول حديث في كتابهمختصر المستدرك
قال الذهبي: ولذا لم أره يتكلم على أحاديث، حجة بعضها جيدة وبعضها واهٍ. اهـ
[انظر مختصر المستدرك في التعليق على أول حديث للحاكم]
وماذا يعني هذا؟ يعني أنه تكلم عن الأحاديث الأخرى التي صححها الحاكم فضعف منها، ووافقه على تصحيح بعضها ..
فإذا كان يعلق على ما سكت عنه الحاكم، فمن باب أولى أن تعليقه على ما صححه الحاكم ونقل تصحيحه من باب الموافقة، خلا الأحاديث التي تعقبه فيها.
وأقوى من هذا وذاك ..
نص مقدمة مختصر المستدرك والتي قيل أنها ليست للذهبي، وقد يكون صحيحا ولا نتجاذب في ذلك، ولكنلماذا لا نتحاكم إليها؟ وقد كتبت في عصر المؤلف أو في عصر تلاميذه على أقل تقدير، وهذا نصها:
" هذا ما لخص محمد بن أحمد بن عثمان ابن الذهبي من كتابالمستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله الحاكم رحمه الله، فأتى بالمتون، وعلقالأسانيد، وتكلم عليها ". اهـ
وتأمل هذا الترتيب في عمل الذهبي على المستدرك:
(1) فأتى بالمتون (2) وعلقالأسانيد (3) وتكلم عليها.
وما يخصنا هنا الأمر الثالث وهو قول صاحب المقدمة [وتكلم عليها] وأنتم ما زلتم تقولون بأنه ما هو إلا مختصر برغم ما ترون فيه من تعليق من أول الكتاب إلى آخره ..
أرجوا أن تكون هذه الأمور واضحة عندك ..
وجزاك الله خيرا وبرا.
¥