وبعض طلبة العلم الذين أشرت إليهم، وبعض المؤلفين يرون، أننا حين نقول عن حديث من الأحاديث: إن الذهبي وافق الحاكم وأقره عليه، كأن يقول الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، فيذكر الذهبي هذا الحديث في "التخليص" ويقول: "خ، م"، أي أن الحاكم قال: على شرط البخاري ومسلم، ثم لا يتعقبه بشيء - هم يقولون حينذاك: لا يجوز لكم أن تقولوا: إن الذهبي وافق الحاكم.
ونحن نقول: إن الذهبي وافق الحاكم في هذه الحالة.
ومنشأ النزاع أنهم يقولون: الذهبي لم يصرح بموافقة الحاكم، فهو لم يقل: أصاب الحاكم، أو: إنني أوافق الحاكم، ولم ينص في المقدمة على إنني إذا قلت كذا فأنا موافق للحاكم، فكيف تنسبون للذهبي ما لم يقله؟!.
نقول لهم: أولاً عرف دائماً أن الإنسان حين يحكي كلام عالم من العلماء في مقام من المقامات ولا ينتقده ولا يتعقبه بشيء فهو مقر له.
ومثاله: لو أن أحدكم سألني في مسألة من المسائل، ولتكن مسألة الطلاق ثلاثاً، فقال لي: ما تقول في الطلاق ثلاثاً؟ فقلت له: الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أنه يقع واحدة.
فأنا حينما أذكر كلام الشيخ ابن باز ولا أتعقبه بشيء يكون مقصودي موافقته على مثل هذا، ولو لم يكن الأمر كذلك لقلت: الشيخ عبد العزيز يرى كذا، وأنا أرى كذا، هذا من الناحية اللغوية والناحية المنهجية عند العلماء.
ثم إننا إذا نظرنا لصنيع الأئمة من قبل الذهبي حتى هذا العصر الذي خرج فيه، فإذا بنا نجد أن أحداً منهم لم يخالف هذا المنهج، بل إن الزيلعي في " نصب الراية " - وهو تلميذ الذهبي - حينما ينتقل تصحيح الحاكم يقول في بعض الأحيان: " ووافقه الذهبي".
وقريب من هذا صنيع ابن الملقن، في طبقة الزيلعي - ولكن لست أدري هل تتلمذ على الذهبي أم لا - يقول ابن الملقن في اختصاره لكتاب الذهبي بعد أن ذكر حديث النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:" كل سبب منقطع يوم القيامة غير سببي ونسبي ".
قال: أخرج الحاكم هذا الحديث وصححه وتُعقب عليه. ثم بعد ذلك بأوراق في ترجمة فاطمة - رضي الله عنها - من حديث المسور بن مخرمة مرفوعاً: "إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري"، ثم قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي عليه.
هذا كلام ابن الملقن، وهو في طبقة تلاميذ الذهبي، فهم كانوا عارفين أن صنيع الذهبي هذا يعني إقراره للحاكم على هذا التصحيح على هذه الصورة؛ لأننا حين نرجع إلى الحديث الذي ذكره نجد الحاكم قال: "حديث صحيح الإسناد"، ثم حكى الذهبي كلامه فقال: صحيح، أي أنه [صحح] كلام الحاكم ولم يتعقبه بشيء، فاعتبر ابن الملقن هذا إقراراً من الذهبي.
ثم إن باقي الأئمة كذلك، مثل الشيخ أحمد شاكر والشيخ الألباني وأمثال هؤلاء، بل حتى ابن حجر والسيوطي، ولكن لا أستطيع أن أنسب شيئاً ليس فيه مستمسك، لكن من نظر في تخريجاتهم وجد من هذا جملة، وهذا هو الذي أردت التنبيه عليه في هذه المسألة.
تفسير خاطئ لعدم إيراد الذهبي الحديث في الاختصار:
يقول بعضهم: يعتبر سكوت الذهبي عن الحديث حينما لا يورد الذهبي الحديث إطلاقاً، فهذا هو الذي نعتبره سكوتاً للذهبي، فيبدو أنهم ما ظفروا بمثل هذه الأمثلة التي ذكرتها من "المستدرك"، ويمكن لمن تتبع الكتاب أن يعلم أن سكوت الذهبي هو بهذه الصورة.
أسباب عدم إيراده للحديث إطلاقاً:
والذهبي قد لا يورد الحديث إطلاقاً لسبب من الأسباب الآتية:
السبب الأول:
لا يكون الحديث في نسخة الذهبي من "المستدرك"، وهذا وارد؛ لأن المستدرك الذي بين أيدينا الآن طبع على بعض النسخ التي سقط منها أحاديث، وبعض الأحاديث محقق مستدرك الحاكم لا يستطيع أن يثبته إلا من "التخليص"، و "التخليص" يحذف بعض الإسناد، إلا أن يثبته من " التخليص".
فإذن بعض النسخ تسقط منها بعض الأحاديث، فقد يكون الحديث سقط من نسخة الذهبي.
السبب الثاني:
أن الذهبي قد يحذف الحديث؛ لأنه يرى أنه مكرر، ويصرح بذلك، فيقول: "وقد أعاده الحاكم في الموضع الفلاني"، فتأتي للموضع الفلاني، فتجد الذهبي لم يأت بالحديث اختصاراً منه، فلا داعي لتكرار الحديث.
السبب الثالث:
وقد يكون الحديث سقط من نفس تخليص الذهبي، فإن هذه النسخة التي طبعت سواء المستدرك أو تلخيص الذهبي نسخة سقيمة، وتحتاج إلى إعادة تحقيق وإعادة نظر وضبط على أصول خطية جيدة. وعندي أمثلة كثيرة على سقط مهم جداً، فأحياناً في تعقيبات الذهبي للأحاديث نجد الكلام سقط من هذه النسخة المطبوعة، ولكنني أجده في النسخ الخطية لابن الملقن، فإذن هذه الأمور كلها تكشف هذا الكتاب.
وبذلك أكون قد انتهيت من الكلام باختصار على مستدرك الحاكم، وأرجو أن يكون قد وضح ولو بعض الشيء.
انتهى من الدكتور سعد بن عبد الله الحميد، في مناهج المحدثين ..
ولعله يكون مقنعا لمن رام خلاف ذلك ..
والدكتور سعد (حفظه الله) له خبرة بالمستدرك وبتلخيص الذهبي وبتلخيص ابن الملقن كذلك، إذ إنه حقق نصف الكتاب في النسخة المطبوعة لمختصر ابن الملقن.
والله الموفق لما يحب ويرضى.
¥