هل تعدد طرق الحديث يزيده قوة أو ضعفاً؟
ـ[الباحث]ــــــــ[26 - 07 - 09, 07:31 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المشهور عند طلاب الحديث أن تعدد طرق الحديث - إن كانت ضعيفة - فإنها تقوي بعضها بعضاً، فتجعل الحديث في مرتبة (الحديث الحسن).
وهذا ما قرره الحفاظ وأهل الحديث في الأسانيد والطرق التي يكون فيها ضعف الراوي ناشئاً عن سوء حفظه أو وهمه أو تدليسه أو نحوها من الانتقادات على الرواة بما لا يقدح في عدالتهم وصدقهم في الرواية.
ولكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، فإن الحديث إذا كانت له طريق ضعيفة جداً فيها سندها كذاب أو متهم بالكذب فإنه لا ينجبر ولا يقوى بتعدد طرقه إذا كانت ضعيفة جداً أو في أسانيدها من هو متهم بالكذب.
قال الحافظ ابن الصلاح في معرض تضعيفه لحديث (الأذنان من الرأس):
( ..... وجواب ذلك أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه صنف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذاً، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك، فإنه من النفائس العزيزة) مقدمة ابن الصلاح 36 - 37.
قال الشيخ الألباني رحمه الله معلقاً على كلام ابن الصلاح:
(إي والله إنه لمن النفائس العزيزة التي يغفل عنها كثير من المشتغلين، بهذا العلم فضلا عن غيرهم ممن لا معرفة لهم به مطلقاً ... ) دفاع عن الحديث النبوي.
وقال أيضاً:
(والجهل بهذه القاعدة الهامة يؤدي إلى تقوية كثير من الأحاديث الضعيفة، من أجل طرقها بل وقد يؤدي إلى الالتحاق ببعض الفرق الضالة فهذا مثلا حديث: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه) فقد روي من حديث أبي سعيد وعبد الله بن مسعود وجابر وسهل بن حنيف وغيرهم ومع ذلك فهو معدود في جملة الأحاديث الموضوعة ومثله حديث: (علي خير البشر من أبى فقد كفر) له طرق كثيرة أيضا والأمثلة من هذا النوع كثيرة جدا لا تكاد تحصر فراجع إن شئت كتابي (سلسلة الأحاديث الضعيفة) ففيها الشيء الكثير منها: (55 و 133 و 134 و 139 و 143 (52) و 226 و 230 و 266 و 332 و 337 و 451 و 583 و 585 و 649. . .).) دفاع عن الحديث النبوي.
وقال في معرض ذكره للأبحاث الحديثية في سلسلته الضعيفة:
(وخاصة منها ما يعتبر مثالاً جيداً على أن قاعدة تقوية الحديث بكثرة طرقه ليست على إطلاقها، بل لها قيود يمكن للباحث تلمُّسها، فانظر مثلاً الأحاديث (2521 - افعلا للمعروف ... )، و (2855 - اطلبوا الخير عند حسان الوجوه)، و (2870 - أقيلوا السخي زلته ... )، و (2885 - أكرموا الخبز ... )، و (2955 - أنا مدينة للعلم وعلى بابها)، وهذا الأخير في متنه ما يدل على وضعه، فضلاً عن أن طرقه - كلها - بعضها أشد ضعفاً من بعض) الضعيفة مقدمة المجلد السادس.
وقال الحافظ أحمد شاكر رحمه الله:
(وبذلك يتبين خطأ كثير من العلماء المتأخرين في إطلاقهم أن الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة ضعيفة ارتقى إلى درجة الحسن أو الصحيح، فإنه إذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع ازداد ضعفاً، لأن تفرد المتهمين بالكذب أو المجروحين في عدالتهم بحيث لا يرويه غيرهم يرفع الثقة بحديثهم ويؤيد ضعف روايتهم، وهذا واضح) شرحه للباعث الحثيث.
وقال الحافظ السخاوي رحمه الله معلقاً على حديث (من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا يوم القيامة):
(فقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه مع كثرة طرقه) فتح المغيث (1/ 71).
وقال الحافظ الزيلعي أحاديث الجهر بالبسملة في الصلاة:
(وأحاديث الجهر وإن كثرت رواتها، لكنها كلها ضعيفه، وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه، وهو حديث ضعيف، كحديث الطير) وحديث الحاجم والمحجوم، وحديث " من كنت مولاه فعلي مولاه "، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفاً) نصب الراية (1/ 359 - 360).
وقال الشيخ المحقق عبد الله بن يوسف الجديع في معرض كلامه عن (الحديث الموضوع):
( ... وإن تعددت له الطرق وكثرت، فلا تعني كثرتها في التحقيق شيئاً؛ لجواز التواطؤ من قبل الكذابين والمتهمين على تنويع الأسانيد للحديث الواحد، فربما نتج تعدد الطرق عن رواية رجل من الضعفاء، عرف بذلك الحديث، فسرقه المتهمون وتداولوه بينهم، يسرقه بعضهم من بعض) تحرير علوم الحديث.
وقال الحافظ ابن جماعة:
(والضعف لكذب راويه و فسقه فلا ينجبر بتعدد طرقه) المنهل الروي ص37.
وقال الجرجاني:
(وأما الضعيف لكذب راويه و فسقه لا ينجبر بتعدد طرقه كما في حديث: (طلب العلم فريضة).) رسالة في علوم الحديث.
والله أعلم.
¥