[مظاهر الإنصاف عند المحدثين في جرح الرواة]
ـ[مختار الديرة]ــــــــ[29 - 07 - 09, 11:47 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
[مظاهر الإنصاف عند المحدثين في جرح الرواة]
د. عبد الرحمن إبراهيم الخميسي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأصلي وأسلم على أفضل رسله وأشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن من نعم الله تعالى العظيمة على هذه الأمة أن حفظ لها دينها الذي هو عصمة أمرها، ومصدر عزها وقوتها، والمتمثل في الكتاب العزيز والسنة المطهرة. فأمّا الكتاب فلم يكل – سبحانه – حفظه إلى أحد من خلقه لا إلى نبي مرسل ولا إلى مَلَك مقرَّب وتولى جل وعلا حفظه بذاته ليبقى مصوناً محفوظاً من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قال تعالى ().
وأمّا السنة المطهرة فقد هيأ الله لها رجالاً ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فيميزون صحيحها من سقيمها وثقاتها من ضعفائها، وعنوا بكل ما يتصل بها من علوم تعين على فهمها وتسهل الطريق إلى معرفتها، وكان هذا هو حفظها الذي هو من تمام حفظ القرآن الكريم.
ومما عني به هؤلاء الرجال الأئمة من علوم السنة علم الجرح والتعديل من حيث ألفاظه، ومراتبه، وشروطه، وما يقبل منه، وما لا يقبل إلى ما سوى ذلك، وقد كان حليتهم في بحث العلم التقوى والورع والإنصاف مما كان له الأثر الواضح على جميع مباحثه من حيث التأصيل والتقسيم والاعتدال، وقد لفت انتباهي من منهجيتهم في هذا، قضية إنصافهم مع الغير، حيث لم أجد قائلاً من مجموع ما وقفت عليه من العلوم منْ بزّهم في ذلك أو بلغ شأوهم فيه، وإذا قال قائل إنه حكر عليهم لم يشطط ولم يبالغ، والدليل على هذا أن منهم من جرح أباه ومنهم من جرح ابنه ومنهم من جرح أخاه، ولو حصل منهم محاباة لأحد لكان الآباء والأبناء والأخوة أولى الناس بذلك، غير أن هذا لم يحصل واستمر الحال كذلك يدفعهم فيه العدل والإنصاف لا يغضبهم كلام متكلم، ولا يوقفهم عنه أحد، ولا يخافون من معترض حتى لقوا ربهم وهم على ذلك غير مبدلين ولا متراجعين كما روى الخطيب عن علي بن الحسين بن الجنيد يقول سمعت يحيى بن معين يقول: إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ أكثر من مائتي سنة. قال ابن مهروية: فدخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب "جرح التعديل" فحدثته بهذه الحكاية فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية ولم يقرأ في ذلك المجلس شيئاً أو كما قال أهـ () أي أنه ترك قراءة "الجرح والتعديل" في ذلك المجلس فقط بسبب تأثره وكثرة بكائه وعاد إليه بعد ذلك لا أنه ترك القراءة بالمرة فهذا غير وارد أصلاً وقد وقفت أثناء قراءتي لبعض كتب الجرح والتعديل وغيرها من مصنفات علوم الحديث على مواضع كثيرة من إنصافهم فعظمت الرغبة في نفسي في جمع شتاتها ولمّ شعثها في بحث علمي فكانت هذه الصفحات بعنوان: "مظاهر الإنصاف عند المحدثين في جرح الرواة"، والتي اشتملت على تسعة مباحث مدعومة بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم وأخبارهم، ثم ختمت هذه المباحث بخاتمة ذكرت فيها، خلاصة موجزة للبحث، وفي آخر ذلك ذكرت المصادر التي رجعت إليها وأفدت منها فيما كتبته فيه، فإن كان فيما كتبت خير فمن الله تعالى وحده، وإن كانت الأخرى فمني ومن الشيطان وأستغفر الله أولاً وآخراً، والحمد لله رب العالمين وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المبحث الأول
ذكر الجرح والتعديل في الراوي المختلف فيه وعدم الاقتصار على ذكر الجرح فقط
المبحث الثاني
عدم محاباة أحد من المجروحين قريباً كان أو بعيداً وذكره بما فيه من الجرح
المبحث الثالث
عدم الاعتداد بجرح الأقران
المبحث الرابع
عدم قبول الجرح إذا كان صادراً عن جهل أو هوى أو ضعف أو تعب أو اختلاف العقيدة
أو كان مبهماً ونحو ذلك
المبحث الخامس
قبول رواية المبتدع العدل إذا لم يرو ما يؤيد بدعته
المبحث السادس
عدم الزيادة في الجرح على القدر المطلوب
المبحث السابع
عدم التعرض بالجرح لمن ليس بمجروح أو ليس من أهل الرواية
المبحث الثامن
وضع شروط وقواعد للجرح لا يقبل بغيرها
المبحث التاسع
اختيارألفاظ الجرح المناسبة لكل راو ضعيف
الخاتمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فلو أن كل أمة أرادت أن تفاخر بعظمائها وخيرة رجالها، لكان على هذه الأمة أن تفاخر برجال الحديث فيها، الذين حفظ الله بهم سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، إذ هم أولى الناس بالنبي ? يوم القيامة لكثرة صلاتهم عليه، ولذبهم الكذب عنه ولمعرفتهم بسنته صحيحها وضعيفها ولما تميزوا به من الإنصاف في القول والعمل، ولقد رأينا في هذا البحث بعضاً من مظاهر هذا الإنصاف نحو الرواه المجروحين فقد رأيناهم يذكرون الجرح والتعديل معاً في الراوي المختلف فيه ولا يقتصرون على ذكر الجرح دون التعديل، ويعتبرون من يفعل ذلك غير عادل ولامنصف، ورأيناهم لايحابون احداً من الضعفاء قريباً كان أو بعيداً ويطلقون عليه ما يستحق من عبارات التجريح ولايخافون في ذلك لومة لائم، ورأيناهم لايعتدون بجرح الأقران لكونه ناشئاً عن حسد وعداوة، ولايقبلون الجرح إذا صدر عن جهل أو هوي أو ضعف أو تعصب أو اختلاف في العقيدة أو كان مبهماً ورأيناهم يقبلون رواية المبتدع العدل إذا لم يرو ما يؤكد بدعته ولايزيدون في الجرح على القدر المطلوب، ولايتعرضون بالجرح لمن ليس بمجروح أو ليس من أهل الرواية، ولايقبلون الجرح إذا خالف الشروط المعتبرة لقبوله ورأيناهم يختارون لكل راوٍ ضعيف من ألفاظ الجرح ما يناسب ضعفه حفاظاً على عرضه وصوناً لسنة النبي ?.
فهذه الظاهرة الدالة على إنصاف المحدثين هي غيض من فيض مما يتحلون به من أخلاق ويتصفون به من صفات، وما على طالب العلم الذي يريد أن يلحق بركبهم إلا أن يتشبه بهم وينتهج نهجهم ويسير في طريقهم ومن سار على الدرب وصل والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=1088784&postcount=3983