تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعليه: فلا مانع من أن تكون سميت بليلة القدر، لكونها محلاً لتقدير الأمور في كل سنة، وأنها بهذا وبغيره علا قدرها وعظم شأنها، والله تعالى أعلم، تذكير بنعمة كبرى.

إذا كانت أعمال العبد تتضاعف في تلك الليلة، حتى تكون خيراً من ألف شهر، كما في هذا النص الكريم. فإذا صادفها العبد في المسجد النبوي يصلي، وصلاة فيه بألف صلاة، فكم تكون النعمة وعظم المنة، من المنعم المتفضل سبحانه، إنه لمما يعلي الهمة ويعظم الرغبة.

وقد اقتصرت على ذكر المسجد النبوي دون المسجد الحرام، مع زيادة المضاعفة فيه، لأن بعض المفسرين قال بمضاعفة السيئة فيها.

كذلك أي أن المعصية في ليلة القدر كالمعصية في ألف شهر، والمسجد الحرام يحاسب فيه العبد على مجرد الإرادة، فيكون الخطر أعظم، وفي المدينة أسلم.

ولعل مما يؤيد ذلك أن ليالي القدر كلها، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وقد أثبتها أهل السنة كافة، وادعت الشيعة نسخها ورفعها كلية، وهذا لا يلتفت إليه لصحة النصوص وشبه المتواترة.

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (} 3

أشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزيل قول من قال: عملٌ في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر. وأما الأقوال الأخر، فدعاوى معان باطلة، لا دلالة عليها من خبر ولا عقل، ولا هي موجودة في التنزيل.

قال ابن كثير:هذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر -وليس فيها ليلة القدر-هو اختيارُ ابن جرير. وهو الصواب لا ما عداه، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: "رِباطُ ليلة في سبيل الله خَيْر من ألف ليلة فيما سواه من المنازل". رواه أحمد (5) وكما جاء في قاصد الجمعة بهيئة حسنة، ونية صالحة: "أنه يُكتَبُ له عمل سنة، أجر صيامها وقيامها" إلى غير ذلك من المعاني المشابهة لذلك.

قال سيد قطب: وهي خير من ألف شهر. والعدد لا يفيد التحديد. في مثل هذه المواضع من القرآن. إنما هو يفيد التكثير. والليلة خير من آلاف الشهور في حياة البشر. فكم من آلاف السنين قد انقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة من آثار وتحولات.

ولقد تغفل البشرية لجهالتها ونكد طالعها عن قدر ليلة القدر. وعن حقيقة ذلك الحدث، وعظمة هذا الأمر. وهي منذ أن جهلت هذا وأغفلته فقدت أسعد وأجمل آلاء الله عليها، وخسرت السعادة والسلام الحقيقي سلام الضمير وسلام البيت وسلام المجتمع الذي وهبها إياه الإسلام. ولم يعوضها عما فقدت ما فتح عليها من أبواب كل شيء من المادة والحضارة والعمارة. فهي شقية، شقية على الرغم من فيض الإنتاج وتوافر وسائل المعاش!

لقد أنطفأ النور الجميل الذي أشرق في روحها مرة، وانطمست الفرحة الوضيئة التي رفت بها وانطلقت إلى الملأ الأعلى. وغاب السلام الذي فاض على الأرواح والقلوب. فلم يعوضها شيء عن فرحة الروح ونور السماء وطلاقة الرفرفة إلى عليين. .

{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)}

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: تنزل الملائكة وجبريل معهم، وهو الروح في ليلة القدر (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) يعني بإذن ربهم، من كلّ أمر قضاه الله في تلك السنة، من رزق وأجل وغير ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) قال: يقضى فيها ما يكون في السنة إلى مثلها.

فعلى هذا القول منتهى الخبر، وموضع الوقف من كلّ أمر.

قوله {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}

) سلام ليلة القدر من الشرّ كله من أوّلها إلى طلوع الفجر من ليلتها.

انتهى من تفسير الطبري

قال الشيخ محمد العثيمين: في هذه السورة الكريمة فضائل متعددة لليلة القدر:

* الفضيلة الأولى: أن الله أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.

* الفضيلة الثانية: ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}.

* الفضيلة الثالثة: أنها خير من ألف شهر.

* الفضيلة الرابعة: أن الملائكة تتنزل فيها وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير