تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحينما ذهب للحج في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وكان قد بلغ الواحدة والثلاثين من عمره آنذاك، وجهه طموحه العلمي لأن يسمع الحديث على شيوخ الحجاز بمكة والمدينة، فتراه يذهب ليأخذ عن محدثيها فقد ( ... سمع بالمدينة الشريفة على المحب الطبري وغيره ولم يزل حاله في ازدياد، وعلمه في اجتهاد فصار نادرة وقته وأعجوبة زمانه، إماماً في العلوم، محققاً لما ينقله وصار قدوة بيت المقدس ومفتيه، وعين أعيان المعيدين بالمدرسة الصلاحية". (9)

ونلاحظ في تلك الفترة وبعدما طار صيت الشيخ الكمالي في جميع الأقطار الإسلامية، وبالأخص مصر وفلسطين، نرى من خلال دراستنا لحياته وشخصيته بأنه قد تواضع له العلماء والأمراء والملوك فنرى بأن السلطان آنذاك يطلب الاجتماع به لأنه سمع عنه فأراد أن يعرف مكانته في العلم.

"فلما قدم إلى السلطان نزل عن سرير الملك، وتلقاه وأكرمه وفوض إليه الوظيفة المشار إليها وألبسه التشريف". (10)

والوظيفة التي فوضها السلطان إلى شيخ الإسلام هي مشيخة المدرسة الصلاحية في القدس الشريف.

الوظائف التي تقلدها ابن أبي شريف:

بعد أن تقلد شيخ الإسلام الكمالي مشيخة المدرسة الصلاحية في القدس الشريف، باشر بالتدريس فيها وتصدر للدرس والإقراء والإفتاء في بيت المقدس. "ونظر على المدرسة الصلاحية وعمرها هي وأوقافها التي أوقفت عليها، وشدد على الفقهاء وحثهم على الاشتغال، وعمل بها الدروس العظيمة". (11) وكان النظام الذي اتبعه ابن أبي شريف للتدريس في ذلك الوقت هو أربعة أيام في الأسبوع، فكان يدرس الفقه والتفسير والأصول والخلاف بين المذاهب. "وأملى بها مجالس من الأحاديث الواقعة في مختصر المزني واستمر بها أكثر من سنتين، ثم استقر فيها شيخ الإسلام النجمي ابن جماعة في شهور سنة ثمان وسبعين كما تقدم ذكره فلم يهتم بها بعد ذلك" (12)

"ثم توجه الشيخ الكمالي إلى القاهرة واستوطنها، وتردد إليه الطلبة والفضلاء، واشتغلوا عليه في العلوم وانتفعوا به، وعظمت هيبته، وارتفعت كلمته عند السلطان وأركان الدولة، وفي شوال سنة ثمان وثمانين حضر إلى القدس الشريف زائراً، ثم توجه إلى القاهرة في جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين كما تقدم ذكره "3" من هدم المدرسة الأشرفية القديمة وبناء المدرسة المستجدة المنسوبة لملك العصر، مولانا السلطان الأشرف وانتهت عمارتها، وقدر الله تعالى وفاة الشيخ شهاب الدين العميري، قبل تقرير أمرها وترتيب وظائفها برز أمر السلطان باستقرار شيخ الإسلام الكمالي فيها، وطلبه إلى حضرته وشافهه بالولاية وسأله من القبول فأجاب لذلك، وألبسه كاملية بسمور "4" وحضر إلى القدس الشريف، هو ومن معه من أركان الدولة الشريفة وباشرها وحصل للمدرسة المشار إليها وللأرض المقدسة بل ولسائر مملكة الإسلام، الجمال والهيبة والوقار بقدومه وانتظم أمر الفقهاء وحكام الشريعة المطهرة بوجوده وبركة علومه.

أعماله التي قام بها:

وأهم هذه الأعمال بالنسبة لعالم مثل ابن أبي شريف هي نشر العلم بين الناس وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنرى ابن أبي شريف يقوم بهذه المهمة وتلك الأمانة على أتم وجه، "وازداد شأنه عظماً، وعلت كلمته، ونفذت أوامره عند السلطان فمن دونه، وبرزت إليه المراسيم الشريفة في كل وقت، بما يحدث من الوقائع والنظر في أحوال الرعية، وترجم فيها بالجناب العالي، شيخ الإسلام ووقع له ما لم يقع لغيره ممن تقدمه من العلماء والأكابر وبقي صدر المجالس وطراز المحافل، المرجع في القول إليه، والتعويل في الأمور كلها عليه، وقلده أهل المذاهب كلها، وقبلت فتواه على مذهبه، ومذهب غيره، ووردت الفتاوى إليه من مصر والشام وحلب وغيرها وبعد صيته، وانتشرت مصنفاته في سائر الأقطار، وصار حجة بين الأنام في سائر ممالك الإسلام، ومن أعظم محاسنه التي شكرت له في الدنيا ويرفع الله بها درجاته في الآخرة، ما فعله في القبة المستجدة عند دير صهيون وقيامه في هدمها بعد أن كانت كنيسة محدثة في دار الإسلام، في بيت المقدس وقيامه من منع النصارى من انتزاع القبو المجاور لدير صهيون، المشهور أن به قبر سيدنا داود عليه السلام بعد بقائه في أيدي المسلمين مدة طويلة، و بنا قبلة فيه، لجهة الكعبة المشرفة، وكان يقوم على حكام الشرطة ويمنعهم من الظلم ويواجههم بالكلام الزاجر لهم". (14)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير