وبالجملة فهذه الملازمة مشكلة ولعله كان يعتقد أنه خبر واحد والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم ومن هنا أنكر ابن ظفر في الينبوع 2 عد هذا مما نسخ تلاوته قال لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن قال وإنما هذا من المنسأ لا النسخ وهما مما يلتبسان 3 والفرق بينهما أن المنسأ لفظه قد يعلم حكمه ويثبت أيضا وكذا قاله في غيره القراءات الشاذة كإيجاب التتابع في صوم كفارة اليمين ونحموه أنها كانت قرآنا فنسخت تلاوتها لكن في العمل بها الخلاف المشهور في القراءة الشاذة 4
ومنهم من أجاب عن ذلك بأن هذا كان مستفيضا عندهم وأنه كان متلوا من القرآن فأثبتنا الحكم بالإستفاضة وتلاوته غير ثابتة بالإستفاضة ومن هذا الضرب ما رواه مسلم في صحيحه 5 عن أبي موسى الأشعري إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني أحفظ منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات 1 فأنسيتها غير أني حفظت منها يأيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة وذكر الإمام المحدث أبو الحسين أحمد بن جعفر 2 المنادى في كتابه الناسخ والمنسوخ مما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر قال ولا خلاف بين الماضين والغابرين أنهما مكتوبتان في المصاحف المنسوبة إلى أبي بن كعب وأنه ذكر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أقرأه إياهما وتسمى سورتي الخلع والحفد
هنا سؤال وهو أن يقال ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم وهلا أبقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها وأجاب صاحب الفنون 3 فقال إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به فيسرعون بأيسر شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام والمنام أدنى طرق الوحي
الضرب الثاني:
ما نسخ حكمه وبقي تلاوته:
وهو في ثلاث وستين سورة كقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا 4 الآية فكانت المرأة إذا مات زوجها لزمت التربص بعد انقضاء العدة حولا كاملا ونفقتها في مال الزوج ولا ميراث لها وهذا معنى قوله متاع إلى الحول غير إخراج 5 الآية فنسخ الله ذلك بقوله يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا 1 وهذا الناسخ مقدم في النظم على المنسوخ
قال القاضي أبو المعالي وليس في القرآن ناسخ تقدم على المنسوخ إلا في موضعين هذا أحدهما والثاني قوله يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك 2 الآية فإنها ناسخة لقوله لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج 3
قلت وذكر بعضهم موضعا آخر وهو قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 4 هي متقدمة في التلاوة ولكنها منسوخة بقوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء 5
وقيل في تقديم الناسخة فائدة وهي أن تعتقد حكم المنسوخة قبل العلم بنسخها ويجيء موضع رابع وهو آية الحشر في قوله تعالى ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول 6 الآية فإنه لم يذكر فيها شيء للغانمين ورأى الشافعي أنها منسوخة بآية الأنفال وهي قوله واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه 7
واعلم أن هذا الضرب ينقسم إلى ما يحرم العمل به ولا يمتنع كقوله إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين 8 ثم نسخ الوجوب
ومنه قوله ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين 9 قيل منسوخ بقوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه 10
وقوله وما أدري ما يفعل بي ولا بكم 1 نسختها آيات القيامة والكتاب والحساب
وهنا سؤال وهو أن يسأل ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة
والجواب من وجهين أحدهما أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به فيتلى لكونه كلام الله تعالى فيثاب عليه فتركت التلاوة لهذه الحكمة
وثانيهما أن النسخ غالبا يكون للتخفيف فأبقيت التلاوة تذكيرا بالنعمة ورفع المشقة وأما حكمة النسخ قبل العمل كالصدقة عند النجوى فيثاب على الإيمان به وعلى نية طاعة الأمر
الثالث نسخهما جميعا فلا تجوز قراءته ولا العمل به كآية التحريم بعشر رضعات فنسخن بخمس قالت عائشة كان مما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي مما يقرأ من القرآن رواه مسلم
وقد تكلموا في قولها وهي مما يقرأ فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك فمنهم من أجاب بأن المراد قارب الوفاة والأظهر أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها
وقال أبو موسى الأشعري نزلت ثم رفعت
وجعل الواحدي من هذا ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه قال كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر وفيه نظر
وحكى القاضي أبو بكر في الإنتصار عن قوم إنكار هذا القسم لأن
"
وإذا أردت المزيد أخي الكريم ارجع إلى
كتاب: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم المؤلف: ابن سلامة
كتاب: بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي
كتاب: مناهل العرفان في علوم القرآن المؤلف: محمد عبدالعظيم الزرقاني الناشر: دار الفكر - بيروت الطبعة الأولى، 1996
وبارك الله فيكم أخي الفضل ونفع الله بكم
¥