تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2. أن حديث ثوبان في المنافقين، وحديث أبي هريرة في المسلمين، فلا تعارض بينهما، لا سيما إذا حملنا النفاق هنا على النفاق العملي الذي لا ينافي أخوة الإيمان.

والواقع أن المتأمل في حال بعض من يقع في المنكرات هذه الأيام من أهل الخير والصلاح الظاهر، وباعتراف من يتوب منهم يجد عجباً، من ارتكاب ذنوب " الخلوات " بشكل يمكن إطلاق وصف " انتهاك " عليه! فمن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة الفضائيات الفاسدة، والنظر في الإنترنت إلى مواقع الجنس الفاضح، واستعمال أسماء مستعارة للمحادثة والمراسلة مع الأجنبيات، ثم تجد هؤلاء لهم نصيب في الظاهر من الاستقامة، في اللباس، والصلاة، والصيام، ومن هنا كان هذا الحديث محذِّراً لهؤلاء أن يكون حالهم حال المنافقين، أو أن يكونوا أعداء لإبليس في الظاهر، أصدقاء له في السرِّ، كما قال بعض السلف.

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:

الكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة: إظهار زي الصالحين في الملأ، وانتهاك المحارم، ولو صغائر في الخلوة: أخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأعلمنَّ أقواماً مِن أمتي يأتون .... ).

لأن من كان دأبه إظهار الحسن، وإسرار القبيح: يعظم ضرره، وإغواؤه للمسلمين؛ لانحلال ربقة التقوى، والخوف، من عنقه.

" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2/ 764).

3. قوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا خَلوا بِمَحَارِمِ الله) لا يقتضي خلوتهم في بيوتهم وحدهم! بل قد يكونون مع جماعتهم، ومن على شاكلتهم، فالحديث فيه بيان خلوتهم بالمحارم، لا خلوتهم مع أنفسهم في بيوتهم، فليس هؤلاء بمعافين، والمعافى الذي في حديث أبي هريرة الذي يظهر لنا أنه يفعل المعصية الغالبة عليه وحده، ولذا جاء في الحديث أنه شخص بعين، وأن ربَّه قد ستره، (يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ)، وحديث ثوبان فيه الجمع (قوْم) و (خَلَوا).

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:

الذي يبدو أن (خلوا بمحارم الله) ليس معناها " سرّاً "، وإنما: إذا سنحت لهم الفرصة انتهكوا المحارم، فـ " خلَوا " ليس معناها " سرّاً "، وإنما من باب " خلا لكِ الجو فبيضي واصفري ".

" سلسلة الهدى والنور " شريط رقم (226).

7. وصف هؤلاء المذكورون في حديث ثوبان بأنهم "ينتهكون" محارم الله، وهو وصف يدل على استحلالهم لذلك، أو مبالغتهم فيها في هذه الحال، وأمنهم من مكر الله، وعقوبته، وعدم مبالاتهم باطلاعه عليهم. فلذا استحقوا العقوبة بحبوط أعمالهم، وليس الوعيد على مجرد الفعل لتلك المعصية، ولعله لذلك سأل ثوبان رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يجلِّي حال أولئك، وأن يصفهم؛ خشية أن يكونوا منهم، وهم لا يدرون، ومثل هذا إنما هو طلب لمعرفة حال قلوب أولئك العصاة، وليس لمعرفة أفعالهم مجردة.

قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:

أي: أن عندهم استهتاراً، واستخفافاً بالله عز وجل، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء، وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين: أَحْسَنَ أيما إحسانٍ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال، فظاهرها حسنات، (لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها، ويرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر وعنده الندم، والحرقة، ويتألم: فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل؛ لأنه - في الأصل - معظِّم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته، فينكسر لها، أما الآخر: فيتسم بالوقاحة، والجرأة على الله؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص، أو شخصين، ولا يتحدث عن نص محدد، إنما يعطي الأوصاف كاملة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير