قلتُ::ومن تأمل حال أئمة الجرح والتعديل من المتقدمين لوجد أنهم لا يعتدون بأقوال العجلي ويضربون عنها الذكر صفحاً، كأنها لم تكن ... والعجلي قد أدركه أغلب نقاد الحديث، وقد توفي بنفس السنة التي توفي بها مسلم (عام 261هـ). ومن تأمل أحوال الرجال، لوجد الأئمة المتقدمين قد أطلقوا الجهالة على عدد كبير جداً ممن وثقهم العجلي، رغم معرفتهم بلا شك بقوله. لكن لما عرفوا مذهبه في توثيق من لم يرو عنه إلا واحد حتى لو لم يكون عنده علم عن هذا الرجل (أي كما هو مذهب ابن حبان)، لم يعتدوا بقوله لأنه ليس فيه أن معه زيادة علمٍ عليهم."
قال إبراهيم: "وقرنه بعضهم بابن معين"
أقلو: لعل المقصود هو قول الدوري: إنما كنا نعده مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. وهذا يعني في العقيدة السلفية وليس في الفقه ونقد الحديث.
قال ابراهيم: "وقد اعتز المغاربة بإمامته وعلمه ومعرفته في الحديث"
أقول: حق لهم، فلم يكن عندهم غيره في ذلك العصر.
قال أبو معاذ: "لا أدري من أين أتيت بأن الأئمة المتقدمين لا يعتدون بأقواله ويضربون عنها صفحاً .. ؟ والأهم من ذلك من أتيت بالجزم بمعرفتهم بقوله بلا شك؟ ... ولم تنتشر كتبه وتصانيفه إلا ببلاد المغرب، ولم يرو عنه كتبه وتصانيفه إلا أهل المغرب، فلم يرو عنه أحد من أهل المشرق فيما وصل إلينا "
وقال ابراهيم: "ولم ينتشر حديثه في المشارقة، لخروجه عنه أيام الفتنة"
أقول قد ذكر أنه دخل على أحمد وهو محبوس في محنته. والنقاشات العظيمة بين أهل الحديث قد حدثت قبل ذلك الزمن، لأنه حصل وحشة بين أحمد وبين ابن معين وابن المديني بسبب موقفهما من الفتنة. فأين كان العجلي عن تلك المجالس التي يجتمع فيها الكبار أمثال أحمد والشاذكوني وابن المديني وابن معين وغيرهم من كبار الحفاظ فيتذاكرون الحديث ويتناقشون في علل الحديث؟ وكثير من هذه المجالس نقلها الخطيب والحاكم وأصحاب السؤالات وغيرهم، فلم نجد في أحد منها ذكراً للعجلي!
ثم ما يزال الطلاب يسئلون الحفاظ عن رواة الحديث ويذكرون لهم أحكام غيرهم، فما كان أحد يذكر قول العجلي وهو بلديهم يعيش بينهم. وأين من جمع المصنفات في أقوال الرجال، لم يذكر أقوال العجلي؟ إن قلت إن كتابه لم يصل إليهم، نعم لم يصل، لكن العمدة في نقل هذا على من يسأله لا على الكتب. ولم يكن لدى ابن معين أو ابن نمير أو ابن حنبل كتباً في الجرح والتعديل، بل كانت هناك كتب مسائل جمعها طلابهم من أسئلتهم إليها. فعدم وجود الكتاب لا يمنع من نقل أقواله إن كانت موجودة. ومعلوم أن العجلي كان قد اكتمل علمه في الحديث وأتم رحلاته قبل زمن المحنة بزمن.
قال إبراهيم: فهل لديك دليل وبرهان لا شك فيه على معرفتهم بجميع أقوال العجلي وأنهم لا يعتدون بها؟
أقول: ما قلت ذلك، لكني أقول: قد كان بينهم بكامل علمه فما كانوا يسألوه ولا يذكرون أقواله، مع أنهم ذكروا قوماً كانت عقيدتهم وأحوالهم سيئة كالشاذكوني ثم ابن خراش وابن عقدة لاحقاً وأمثالهم. وكان هو بريئا من البدع صالح السيرة.
قال إبراهيم: ثم لا لوم على ابن حبان وابن خزيمة والعجلي وغيرهم في اعتبارهم ثقة من لم يظهر فيه الجرح، فإن هذا اجتهاد منهم خالفه جمهور الأئمة المحدثين. وبهذا المذهب ساروا في عد المجهولين عند الجمهور من الثقات، لرأي ارتأوه صحيحا، وليس كذلك.
أقول: إذاً هم مخطؤون. نعم، لم نقل هم آثمون بل مأجورون أجراً واحداً إن شاء الله.
قال إبراهيم: وهم بهذا السبب خالفوا الجمهور، فهل نقول فيهم: متساهلون. ونرد جميع توثيقهم بناء على أن فيهم التساهل بهذا الإطلاق
أقول: وهل نتابعهم على خطأئهم أم نبقى مع الجمهور؟ طالما أنهم يوثقون من هو مجهول عند الجمهور، فهذا يعني ضرورة أنهم متساهلون. وما أدري لماذا نحاول التهرب من هذه الكلمة كأنها سبة. هناك متشدد وهناك متساهل. وكون العجلي متساهلاً لا يعني إهدار كلامه بالكامل، بل نستفيد منه مثل كلامه في التضعيف، يكون قوياً. كما أنه نقل عدة فوائد مهمة عن الرواة.
قال إبراهيم: "ثم ما ذكرت من الأمثلة قد يرى غيرك خلاف ما رأيت"، وذكر مثالين.
أقول: أنت توصلت في المثالين إلى أن العجلي قد أخطأ في التوثيق، وهو الذي أقوله، والحمد لله رب العالمين.
قال أبو معاذ: وهذه القاعدة الفلسفية التي يردها الأخ محمد بقول ابن عدي هذا هي موجودة عند العلماء المتقدمين أنفسهم بما فيهم ابن عدي نفسه
أقول: راجع قولي: "كذا قالوا بإطلاق! ولا ريب في أن إطلاق هذا مخالف للعقل والواقع ومخالف لمنهج الأئمة المتقدمين. فإن الأئمة يختلفون مع بعضهم البعض في معايير التوثيق. فتجدهم أحياناً يختلفون في حكمهم على الراوي مع أنه ليس لواحد منهم زيادة علم على الآخر، "
فأنا أعترض على إطلاق القاعدة دوماً، وبالتالي المثال الذي ذكرته لا يغير أي شيء.
قال أبو معاذ: وذكرت أن مسلك المحققين من المتأخرين في مثل هذا الإعراض عن قول العجلي
أقول: بل عبارتي هي: "وقد اضطرب المتأخرون كثيراً في شأن من لم يوثقه إلا العجلي وابن حبان". فأنا أنتقد اضطرابهم في من لم يوثقه غير العجلي وابن حبان. فمرات يأخذون به ومرات لا يأخذون به، ومثّلت على ذلك بابن الجوزي.
قال أبو معاذ: وادعاء توثيق العجلي لمن يجهلهم بدون أي علمٍ بهم ادعاءٌ باطلٌ ولا شك ...
أقول: ليس ادعاء بل هي حقيقة ثابتة. وإن كان الراوي الذي يجمع الحفاظ على جهالته، بما فيهم بلديه ابن المديني، ثم يأتي العجلي فيوثقه، فهذا يظهر بوضوح أنه يوثق من يجهلهم. وليس ذلك عجيباً فقد فعله غيره بل صرح ابن حبان بأن الأصل هو العدالة. وهو واضح من تراجمه.
¥