ولذلك فعلماء المسلمين كان من أسباب الخلاف بينهم الحديث النبوي , فمنهم من كان يرد الحديث إليه ومنهم من لا يرد إليه , فمن كان وصله الحديث أفتى به ومن لم يصله اجتهد إلى الحكم , فقد يصيب وقد يخطئ , وقد علم أنه إذا أصاب له أجران وإذا أخطأ واحد.
وهناك ناحية أخرى قد يرد الحديث إلى العالم المجتهد ثم لا يعمل به لماذا؟ لأنه جاء من سند ضعيف , وهذا الضعف قد يكون نسبيا , أي هو ضعيف بالنسبة إليه أما بالنسبة لأمام آخر فقد يكون قويا , هذا الإمام الآخر قد يأخذ به والإمام الأول لا يأخذ به.
فالذي لم يأخذ به يجتهد فيفتي برأيه فيتفق في كثير من الأحيان أن اجتهاده خالف حديث ذلك العالم الذي ثبت لديه.
وقد .. وقد .. وهناك تفاصيل كثيرة جدا تتعلق بالحديث ومصطلح الحديث.
لما علم المستشرقون أن من أقوى أسباب الخلاف الذي نشب بين الفرق الإسلامية هو ما يتعلق بالحديث , وبشيء من هذا التفصيل الذي ذكر آنفا .. أرادوا أن يشككوا المسلمين في هذا الأصل الثاني ألا وهو الحديث النبوي.
فكيف يشككون؟
الأمر كما يقال في بعض الأمثال (الغريق يتعلق ولو بالقش) وهؤلاء المستشرقون هكذا يفعلون , يتمسكون ببعض النصوص ويوحون فيها بأسلوب منهم ومكر خبيث إلى المسلمين أن الرسول @نهى عن كتابة الحديث , فإذا لا بد للمسلمين أن يستجيبوا لهذا النهي لأن نبيهم نهاهم , وهم مأمورون بلا شك بإتباعه , إذا المسلمون لم يكتبوا الحديث إذا بهذا الطرح لهذا الحديث ألقوا شبهة وهي قولهم ما دام أن الحديث لم يكتب في عهد الرسول @ وإنما كتب فيما بعد فهنا يمكن أن يدخل في الحديث ما ليس منه.
2
نحن معاشر المسلمين أولا: لنا أصول لابد لنا من إتباعها والرجوع إليها حينما يشتد الخلاف بسبب بعض الإشكالات أو الشبهات من ذوي الأهواء أو الفتن كهؤلاء المستشرقين وأذنابهم من المستغربين.
من هذه الأصول ما ذكره الله في قوله عز وجل (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) إذا سبيل المؤمنين من المراجع والمصادر التي يؤخذ العلم الشرعي منها (سبيل المؤمنين) أي ما سار عليه المسلمون من هدي وطريق وسبيل فلا بد لهؤلاء المسلمين أن يسلكوا سبيل الأولين منهم.
من هنا استدل الإمام الشافعي رحمه الله بهذه الآية على الإجماع , والإجماع له أقسام كثيرة منه ما هو حجة ومنه ما ليس بحجة , وأيضا نعرض عن الكلام في هذه النقطة حتى أيضا لا نبعد كثيرا عن جواب السؤال المطروح.
إذا كان من الواجب سلوك سبيل المؤمنين فنحن يجب أن ننظر ماذا فعل المسلمون الأولون , هل كتبوا الحديث عن الرسول @؟ أم أهملوا الكتابة؟ وإذا كانوا أهملوا الكتابة فمتى بدأت الكتابة؟
جوابنا عن هذا: أن كتابة الحديث ليس كما يقول المستشرقون أنه كتب في بداية القرن الثاني لأن كتابة الحديث بدأت ورسول الله بين ظهراني أصحابه كتب الحديث في قيد حياته عليه الصلاة والسلام , ومن هنا يبدوا أن المستشرقين ليسوا كما يتظاهرون أو يدعون بأنهم حين يبحثون , يبحثون للعلم , متجردين للعلم , ليس تعصبا لمذهب أو دين أو ما شابه ذلك فهم في الواقع غير صادقين في هذا.
لماذا .... ؟
لأننا نراهم حينما يجدون حديثا وأي حديث في زعمهم لم يسجل في عهد الرسول @ إذا هم يحتجون به , فهذا الاحتجاج بهذا الحديث إما أن يكون قد ثبتت صحته بطريقة علمية هم يؤمنون بها أو لا يؤمنون بها , فإن كانت الطريقة الأولى: أنهم يثبتون هذا الحديث ويحتجون به على المسلمين , أن النبي نهى عن كتابة الحديث , إذا كان هذا الحديث ثبت لديهم بالسند كما هو طريق علماء الحديث .. إذا دندنتهم حول تلك الشبة أن الحديث لم يكتب في عهد الرسول @ لا يضر , لأنهم وصلوا إلى معرفة هذا الحديث الصحيح باتفاقهم مع علماء الحديث بطريق السند , وإن كانوا لا يعترفون بالأسانيد , ويزعمون (وهذه حقيقة دعواهم) أنه قد دخل ودس في الحديث ما بين نطق الرسول @ به وما بين عهد كتابته قد فعل بالحديث ما فعل بتوراتهم وبإنجيلهم من الزيادة والنقص.
¥