فإن كانوا يتبنون هذا المذهب , حينئذ لا يصلح لهم أن يحتجوا على المسلمين الذين يخالفونهم في نهجهم العلمي هذا , فهذا أول رد عليهم (كسد طريق إلقاء الشبهة في السنة من طريق التشكيك فيها أنها لم تدون في عهد الرسول عليه السلام.
هذا أولا ..
ثانيا: نحن نقول إن الحديث النبوي بدء كما ذكرت آنفا تسجيله وكتابته في عهد الرسول عليه السلام , طبعا نحن ندعي هذه الدعوى بناء على الخط والطريق العلمي الذي سلكه ائمة الحديث سابقا ولا حقا في معرفة الأحاديث الصحيحة , ضاربين عرض الحائط بتشكيكهم في هذا الأسلوب في رواية الحديث كما ذكرت آنفا.
على هذا نحن نقول: إن الحديث النبوي بدء في تدوينه وتسجيله في عهد الرسول عليه السلام , عندنا إثباتات كثيرة غير حديث واحد , أو رواية واحدة.
أول ذلك مثلا: وأعتقد أن بعض هؤلاء المستشرقين يريدون قصة كتابة الرسول @ لملك الروم هرقل وإلى المقوقس (مقوقس مصر) وإلى ملوك آخرين (كسرى) ومن هذه الكتب المعروف صحتها عند علماء الحديث وفي ظني أنهم لا ينكرون ذلك أن النبي كتب إلى هرقل: من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم بعد البسملة طبعا , قال له: أسلم تسلم وإلا فإنما عليك إثم الأريسيين.
كتاب أرسل إلى هرقل مع دحية الكلبي, فإطلاق القول أن الحديث لم يكتب باطل؛ لأن هذا كتاب كتبه الرسول @ إلى هرقل, ثم إلى الملوك الآخرين.
ثم وهذا في صحيح البخاري , أصح الكتب بعد كتاب الله , عندنا فيه شهادة من صحابي جليل ألا وهو أبو هريرة, أبو هريرة يشهد لعبدالله بن عمرو بأنه كان أكثر حديثا منه , قال: لأنه كان يكتب ولا أكتب.
فإذا عبدالله بن عمرو بن العاص كان يكتب الحديث في عهد الرسول @, وهذه الكتابة جعلت أبا هريرة وهو أحفظ أصحاب الرسول @ قاطبة , لا اختلاف بين علماء الحديث في هذه الحقيقة العلمية والسبب في ذلك إلى أمرين اثنين:
3
الأول: أنه كان رجلا قنوعا , يكتفي بلقيمات يقمن صلبه ثم كان ديدنه أن يتابع الرسول @ ويسمع الحديث منه ثم يدور على سائر الصحابة ويلتقط الأحاديث منهم التي كان قد فاته سماعها مباشرة من النبي @.
الثاني: أن النبي @ دعا له حينما بسط له البساط (ثوبه) أن يكون حافظا لحديث رسول الله فيقول ما نسيت شيئا حفظته بعد ذلك.
القصد من هذا الحديث الذي روي في صحيح البخاري أن عبدالله بن عمرو بن العاص كان يكتب في عهد رسول الله @.
ففيه رد على المستشرقين.
ثم هناك أحاديث أخرى تشهد بأن ابن عمرو هذا كان يكتب حديث الرسول @.
من ذلك ما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره من كتب السنة , بالسند القوي أن ابن عمرو هذا جمعه مجلس مع المشركين فشككوه فيما يكتبه عن رسول الله @ من حديث , قالوا له: أنت تكتب الحديث عن رسول الله وهو بشر , كيف تكتب؟ (يشككونه) فجاء عبدالله إلى الرسول لينقل إليه هذه الشبهة التي طرحها المشركون عليه , فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن قال له: اكتب فوالذي نفس محمد بيده ما يخرج منه إلا حق. (الحديث رواه أبو داود وغيره بإسناد صححه الألباني)
إذا هنا جاء الأمر بالكتابة.
فنحن نقول بعد أن نورد الحديث الأخير فيما يتعلق في هذا الموضوع , لنعود إلى حديث النهي عن الكتابة.
أما الحديث الأخير: ففيه دلالة قوية أنه لم يكن ابن عمرو هو الذي كان يكتب الحديث فقط , وإنما كان يكتبه أيضا أصحاب آخرون معه.
ثم في هذا الحديث الأخير فيه بشارة عظيمة جدا للمسلمين في العصر الحاضر الذي يكاد بعضهم ييأس من روح الله ومن نصره (ألا إن نصر الله قريب).
ذلك الحديث كما يرويه ابن أبي شيبة في مصنفه , والحاكم في مستدركه من طريقه , وغيره أيضا بالسند الصحيح: عن عبدالله بن عمرو هذا قال:
بينما نحن جلوس عن رسول الله , نكتب الحديث عنه , إذ قال له رجل: يا رسول الله. أقسطنطينية نفتحها أولا أم رومية؟