لماذا يصر البعض على أن يُغّيب دور أهل السنة وكتبهم في بروز هولاء الأئمة؟
ـ[أبو عبدالله السعيدي]ــــــــ[10 - 10 - 09, 04:51 م]ـ
برز ثلاثةٌ من علماء اليمن في سماء العلم حتى صار عامة أهل السنة عالة على كتبهم ومؤلفاتهم ينهلون علومهم ويفيدون من مؤلفاتهم، بل يستصوبون اختياراتهم ويقدمون ترجيحاتهم، مع أن هولاء الأئمة الثلاثة نشئوا في بيئة زيدية والذي يغلب على فرق الشيعة بمجملها بمافيهم الزيدية الانغماس في علم الكلام والانشغال بالقضايا العقلية والمنطقية وعدم الاهتمام بعلوم السنة أصلاً فضلاً عن معرفة صحيح السنة من سقيمها، وبخصوص بروز هولاء الأئمة سمعت كثيرا من إخواننا يحصرون سبب هذا الأمر في ما يتميز به المذهب الزيدي من فتح باب الاجتهاد، والتفسير بهذا الحصر وبهذه الصورة ليس صحيحا لأن هناك الكثير من أئمة الزيدية ومع ذلك لم يسلكوا منهج السنة في تلقي الدين والاستدلال على أصوله وفروعه، لان منهج الزيدية غير منهج السنة، وطريقتهم غير طريقة أهل السنة، ولذا منهم من بلغ درجة الاجتهاد ولم يعرف السنة،ومن يعرف كتب الزيدية يجد أن كثيرا من أئمتهم في كثير من كتبهم لم يفرقوا بين الصحيح والموضوع من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، و هناك الكثير ممن بلغ مبلغا عظيماً في المذهب الزيدي لكنه ازداد في غلوائه، واستمر في مجانبته للسنة بل في محاربتها، فلسيس السبب هو الحرية وفتح باب الاجتهاد في المذهب الزيدي كما هو شائع وذائع من تفسيرات بعض الإخوان في كلامهم وكتاباتهم، وإنما السبب في نظري هو ما تهيأ لهولاء الأئمة من الاحتكاك بالبيئة الشافعية السنية والاستفادة من مؤلفات أهل السنة، هذا هو السبب الذي جعلهم يتأثروا حتى أصبحوا لا يردون غير مورد السنة ولا ينهلون إلا من مشرب أهل الحديث الصافي.
فمثلا ابن الوزير-رحمه الله- رحل إلى المناطق السنية كتهامة اليمن، كما اشتهر عنه في ترجمته أنه رحل إلى مدينة تعز وألتقى بالعلامة النفيس بن إبراهيم العلوي الإمام المحدث والفقيه الشهير من أعيان محدثي تعز وفقهائها و توفي بتعز ودفن بمقبرتها الشهيرة (مقبرة الأجينات) وهو الذي قال عنه الحافظ ابن حجر في كتابه: (إنباء الغمر): "وسمع مني وسمعت منه ... "
وقد أجاز النفيس العلوي تلميذه ابن الوزير بجملة من كتب السنة كالجمع بين الصحيحين للحافظ الحميدي وبصحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي وشمائله وسنن النسائي وصحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة وغيرها من كتب السنة.
ثم أيضاً أمر ثاني وهوأن من يقرأ كتب ابن الوزير ويتتبع مصنفاته يجد أن موارده في كتبه هي مراجع أهل السنة، يستشهد بأمهات كتب السنة كالكتب الستة والمسانيد والمصنفات، وينقل عن شراح كتب السنة من أهل السنة، وأفاد من مؤلفات الأئمة الكبار كالدارقطني وابن عبد البر وابن حزم والنووي وابن عبد السلام بل وينقل حتى عن معاصرية من أهل السنة كابن تيمية (728هـ) , والمزّي (742هـ) , والذهبي (748هـ) , وابن القيم (751هـ) , وابن كثير (774هـ) , وابن الملقّن (804هـ) , والعراقي (806هـ) , وكذا ينقل عن شيخه النفيس ابن إبراهيم العلوي (825هـ) ,بل حتى استفاد من مصنفات ابن حجر فهو ينقل عنه (852هـ) مع أنه مات بعده باثنى عشر عاماً.
أمر ثالث صلة المراسلة التي عُرفت بينه وبين بعض علماء الشافعية كالعلامة المقري الشافعي مثلاً، فالمراسلة تدلنا على أنه كان على صلة ببعض علماء الشافعية من أهل السنة، فقد كتب إليه الإمام العلاّمة المبدع شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المقري الشافعي المتوفى (837هـ) كتاباً أبدع فيه وكفى وشفى ومما قال في رسالته له بعد أن قرأ كتابه "الروض الروض الباسم" قال: ((ولقد وقف المملوك على «الروض الباسم)) فما هو إلا الحسام القاصم, ولقد وقع من القلوب موقع الماء من الصادي والنُّجح من الغادي, والراحة من المخمور, و [الصلة] من المهجور, ولقد نصرت الحديث على الكلام, والحلال على الحرام, وأوضحت الصراط المستقيم, وأشرت إلى النهج السليم, ولم تترك شبهة إلا فضحتها, ولا حجّة إلا أوضحتها, ولا زائغاً إلا قوّمته, ولا جاهلاً إلا علمته, ولا ركناً للباطل إلا خفضته, ولا عقداً لمبتدع إلا نقضته, ولقد صدقت الله في الرغبة إليه, ووهبت نفسك لله وتوكلت عليه, فالحمد لله الذي أقرّ عين السنة بمكانه, وأدالها على البدع وأهلها ببرهانه, ولقد أظهر من الحق ما ودّ كثير من الناس أن يكتمه, وأيّد دين الأمة الأمية بما علمه الله وألهمه, فعض على الجذل, وسيجعل الله بعد عسر يسراً, وإنا لا ندري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً, وإذا أراد الله أمراً هيّأ أسبابه, وفتح لمن أراد الدخول بابه.
*إذا الله سنَّى حلَّ عقدٍ تيسراً*
ومن وقف على ما أفحمت به ذلك المعتدي, [من الحق] الذي استحلبت فيه بالإعجاز والتحدي؛ علم أن بينه وبين النفثات النبوية أنساباً شريفة لا تحل عقودها, ولا تضاع حقوقها, ورحماً بلّها ببلالها, وبادر إلى صلتها ووصالها, لقد أبقى نوراً في وجه الزمان, وسروراً في قلوب أهل الإيمان, وقلّدت جيد السنة منة وأي منة, وأصبح شخصك ملموحاً بعيون البصائر, ودرّك ملتقطاً بأسماع الضمائر, والمنّة في ذلك للمصنف على عامة أهل الملّة وخاصَّة على أعيان هذه النحّلة ... "
هذا ما يتعلق بالإمام محمد بن إبراهيم الوزير وممكن أن تُطرد هذه الأسباب أيضاً على الإمامين الصنعاني والشوكاني، فهذه هي أهم الأسباب بل هي الأسباب الحقيقية في تحرر هولاء الأئمة من أصول المذهب الزيدي، وتحول منهجهم الاستدلالي من منهج كلامي عقلي زيدي بعيداً عن السنة وطريق الأئمة من السلف إلى منهج سلفي يقوم على المعرفة الدقيقة بالسنة رواية ودراية ... فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن يغيب دور أهل السنة وكتب السنة في بروز هولاء الأئمة، وأخيرا- أقول لولاأهل السنة وكتبهم لماذهب ولا جاء الواحد من هولاء الثلاثة الأئمة ...
http://www.mmf-4.com/vb/t4002.html#post20598
¥