تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(خلق اللّه آدم على صورته) أي على صورة آدم التي كان عليها من مبدأ فطرته إلى موته لم تتفاوت قامته ولم تتغير هيئته بخلاف بنيه فإن كلاً منهم يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً وأعصاباً عارية ثم مكسوة لحماً ثم حيواناً مجنناً لا يأكل ولا يشرب ثم يكون مولوداً رضيعاً ثم طفلاً مترعرعاً ثم مراهقاً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً أو خلقه على صورة حال يختص به لا يشاركه أنواع أخر من المخلوقات فإنه يوصف مرة بالعلم وأخرى بالجهل وتارة بالغواية والعصيان وطوراً بالهداية والاستغفار ولحظة يقرن بالشيطان في استحقاق اسم العصيان والإخراج من الجنان ولحظة يتسم بسمة الاجتباء ويتوج بتاج الخلافة والاصطفاء وبرهة يستعمل بتدبير الأرضين وساعة يصعد بروحه إلى عليين وطوراً يشارك البهائم في مطعمه ومنكحه وطوراً يسابق الكروبيين في ذكره وفكره وتسبيحه وتهليله وقيل الضمير للّه تعالى بقرينه رواية خلق آدم على صورة الرحمن (1) والمعنى خلق آدم على صورة اجتباها وجعلها من جميع مخلوقاته إذ ما من موجود إلا وله مثال في صورته ولذلك قيل الإنسان عالم صغير.

قال ابن عربي: لما وصل الوقت المعين في علمه تعالى لإيجاد هذا الخليفة الذي يهدي اللّه المملكة بوجوده وذلك بعد أن مضى من عمر الدنيا سبعة عشر ألف سنة أمر بعض ملائكته أن يأتيه بقبضة من كل أجناس تربة الأرض فأتاه بها فأخذها سبحانه وخمرها بيده حتى تغير ريحها وهو المسنون وهو ذلك الجزء الهوائي الذي في الإنسان وجعل جسده محلاً للأشقياء والسعداء من ذريته وجمع في طينته الأضداد بحكم المجاورة وأنشأه على الحركة المستقيمة وذلك في دولة السنبلة وجعله ذا جهات ست فوق وهو ما يلي رأسه وتحت وهو ما يلي رجليه ويمين وهو ما يلي جانبه الأقوى وشمال وهو ما يلي جانبه الأضعف وأمام وهو ما يلي الوجه وخلف وهو ما يلي الفضاء وصوَّره وعدله وسوّاه ثم نفخ فيه روحه المضاف إليه فسرى في أجزائه أربعة أركان الأخلاط إذ كانت الصفراء عن الركن الناري والسوداء عن التراب، والدم عن الهواء وهو قوله مسنون والبلغم من الماء الذي عجن به التراب فصار طيناً ثم أحدث فيه القوة الجاذبة التي بها تجذب الأغذية ثم الماسكة وبها يمسك الحيوان ما يتغذى به ثم الهاضمة وبها يهضم الغذاء ثم الدافعة وبها يهضم الفضلات عن نفسه من عرق وبخار وريح وبراز وأما سريان الأبخرة وتقسم الدم في العروق وفي الكبد فبالقوة الجاذبة لا الدافعة ثم أحدث فيه القوة الغاذية والمنمية والحاسة والخيالية والوهمية والحافظة والذاكرة وهذا كله في الإنسان بما هو حيوان لا بما هو إنسان فقط إلا أن هذه القوى الأربع قوة الخيال والوهم والحفظ والذكر في الإنسان أقوى ثم خصت بالقوة المصورة المفكرة والعاقلة وجعل هذه القوى آلات للنفس الناطقة ليصل بها إلى جميع منافعها وجعله داراً لهذه القوى فتبارك اللّه أحسن الخالقين ثم ما سمى نفسه باسم من الأسماء إلا وجعل للإنسان من التخلق به حظاً منه يظهر به في العالم على قدر ما يليق به، ولذلك تأول بعضهم قوله في الخبر خلق اللّه آدم على صورته على هذا المعنى والحديث خرج مخرج الزجر والتهويل لوروده عقب قوله لا تقولوا قبح اللّه وجهك فإن اللّه خلق آدم على صورته أي صورة هذا الوجه المقبح ذكره القاضي. أ.هـ

هذا ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، في الصحيحين أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله خلق آدم على صورته)) وجاء في رواية أحمد وجماعة من أهل الحديث: ((على صورة الرحمن))،فالضمير في الحديث الأول يعود إلى الله، قال أهل العلم كأحمد رحمه الله وإسحاق بن راهويه وأئمة السلف: يجب أن نمره كما جاء على الوجه الذي يليق بالله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل، ولا يلزم من ذلك أن تكون صورته سبحانه مثل صورة الآدمي، كما أنه لا يلزم من إثبات الوجه لله سبحانه واليد والأصابع والقدم والرجل والغضب وغير ذلك من صفاته أن تكون مثل صفات بني آدم، فهو سبحانه موصوف بما أخبر به عن نفسه أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق به، من دون أن يشابه خلقه في شيء في ذلك كما قال عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [1]، فعلينا أن نمره كما جاء على الوجه الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم من غير تكييف ولا تمثيل. والمعنى والله أعلم أنه خلق آدم على صورته ذا وجه وسمع وبصر يسمع ويتكلم ويبصر ويفعل ما يشاء، ولا يلزم أن يكون الوجه كالوجه والسمع كالسمع والبصر كالبصر .. وهكذا لا يلزم أن تكون الصورة كالصورة وهذه قاعدة كلية في هذا الباب عند أهل السنة والجماعة، وهي إمرار آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، بل يثبتون أسماءه إثباتا بلا تمثيل وينزهونه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيها بلا تعطيل، خلافا لأهل البدع من المعطلة والمشبهة فليس سمع المخلوق ولا بصر المخلوق ولا علم المخلوق مثل علم الله عز وجل، وإن اتفقا في جنس العلم والسمع والبصر لكن ما يختص به الله لا يشابهه أحد من خلقه سبحانه وتعالى، وليس كمثله شيء؛ لأن صفاته صفات كاملة لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه. أما أوصاف المخلوقين فيعتريها النقص والزوال في العلم وفي السمع والبصر وفي كل شيء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير