أما العقد منها فقد يعتقد في أمور الدنيا الشيء على وجه، ويظهر خلافه، أو يكون منه على شك أو ظن بخلاف أمور الشرع، كما حدثنا أبو بحر سفيان بن العاصي، وغير واحد سماعا وقراءة، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن عمر، قال: حدثنا أبو العباس الرازي، حدثنا أبو أحمد بن عمرويه، حدثنا ابن سفيان حدثنا مسلم، حدثنا عبد الله بن الرومي، وعباس العنبري، وأحمد المعقري، قالوا: حدثنا النضر بن محمد، قال: حدثني عكرمة، حدثنا أبو النجاشي، قال: حدثنا رافع بن خديج، قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وهم يأبرون النخل، فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه. قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا، فتركوه، فنفضت، فذكروا ذلك له، فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا [ص: 519] بشر.
وفي رواية أنس: أنتم أعلم بأمر دنياكم.
وفي حديث آخر: إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن.
وفي حديث ابن عباس في قصة الخرص، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما أنا بشر فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب.
وهذا على ما قررناه فيما قاله من قبل نفسه في أمور الدنيا، وظنه من أحوالها، لا ما قاله من قبل نفسه واجتهاده في شرع شرعه، وسنة سنها.
وكما حكى ابن إسحاق أنه - صلى الله عليه وسلم - لما نزل بأدنى مياه بدر قال له الحباب بن المنذر: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
قال: لا، بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإنه ليس بمنزل، انهض حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، فنشرب ولا يشربون. فقال: أشرت بالرأي، وفعل ما قاله.
وقد قال الله - تعالى - له: وشاورهم في الأمر [آل عمران: 159].
وأراد مصالحة بعض عدوه على ثلث ثمر المدينة، فاستشار الأنصار. فلما أخبروه برأيهم رجع عنه.
فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها لعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها، يجوز عليه فيه ما ذكرناه، إذ ليس في هذا كله نقيصة، ولا محطة، وإنما هي أمور اعتيادية يعرفها من جربها، وجعلها همه، وشغل نفسه بها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مشحون القلب بمعرفة الربوبية ملآن الجوانح بعلوم الشريعة، مقيد البال بمصالح الأمة الدينية والدنيوية، ولكن هذا إنما يكون في بعض الأمور، ويجوز في النادر فيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها، لا في الكثير المؤذن بالبله، والغفلة.
وقد تواتر بالنقل عنه - صلى الله عليه وسلم - من المعرفة بأمور الدنيا، ودقائق مصالحها، وسياسة فرق أهلها ما هو معجز في البشر مما قد نبهنا عليه في باب معجزاته من هذا الكتاب.
ـ[إبراهيم محمد زين سمي الطهوني]ــــــــ[19 - 10 - 09, 06:32 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الكريم أبا فارس
فيما نقلت لنا من قول القاضي عياض.
على الرغم من ذلك، فهل أحد من العلماء يجزم عند قول من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من أمور الدنيا، وليس بوحي.
وما قام به العلماء من التمثيل فهو مما صرح به الرسول صلى الله عليه وسلم أو جاء الوحي القرآني في ذلك.
أما ما لم يأت التصريح من الرسول ولا القرآن، فهل أحد من العلماء يجزم بأنه ليس بوحي.
أرجو أن تفيدني ذلك بعلمك ونقلك. وجزيت خيرا.
ـ[المعلمي]ــــــــ[19 - 10 - 09, 08:27 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
هذه مسألة شائكة تدق فيها الأنظار، وقد طرقتها منذ زمن ولم أصرح بها إلا في مواضع يسيرة!
لم؟
لأنني نظرت في أقوال علماء الأمة فإذا بها تخرج من مشكاة واحدة مفادها أن كل خبر " من قول أو فعل أو تقرير " أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسمى سنة،،،
ولازم هذا الإصطلاح أنه يتعبد بكل خبر صح عن النبي صلى الله عليه وسلم دون تفصيل، وعلى هذا أُلفت كتب الحديث.
لكن الواقع والعقل يشهد بأنه لا يمكن التعبد بكل الأخبار التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن بعضها من العادات أو الحاجيات أو العرفيات أو الضروريات!
بل قد ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يجتهد ويخطىء.
ودونكم قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
وهناك حشد من الأدلة تنصر هذا المفهوم أتى بعض الإخوة على بعضها.
فكيف يمكن تفكيك هذه المعضلة؟
أما حديث عبد الله بن عمرو في الكتابه فلا أخاله يصح لوجود أحاديث كثيرة تعارضه وقد جهدت حتى أجمع بينها لكنني عييت وفي النهاية آثرت تضعيف هذا الخبر وهو متكلم في سنده.
¥