تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فليس معنى الآية أن كل كلام ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء يكون وحيا من عند الله، وإنما معناها أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ في ما يبلغه عن الله، بخلاف غيره من الكلام الذي يحتمل الاجتهاد، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون نخلهم، فقال: لو لم تفعلوا لصلح. فخرج شيصا، فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا؟ قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم. رواه مسلم. وفي رواية لأحمد وابن ماجه: إن كان شيئا من أمر دنياكم فشأنكم به، وإن كان من أمور دينكم فإلي. وفي رواية لأحمد: إذا كان شيء من أمر دنياكم فأنتم أعلم به، فإذا كان من أمر دينكم فإلي.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه. رواه البزار وابن حبان في صحيحه. وقال الهيثمي: فيه أحمد بن منصور الرمادي، وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ.

وهذا لا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم في غير تبليغ القرآن بالباطل أو العبث أو بشهوة النفس، وإنما معناه أنه قد يكون باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، قد يقره الله عليه وقد لا يقره. ولذلك قال النسفي في معنى الآية السابقة: وما أتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه، إنما هو وحي من عند الله يوحى إليه. ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام، ويجاب بأن الله تعالى إذا سوغ لهم الاجتهاد وقررهم عليه كان كالوحي لا نطقا عن الهوى. اهـ.

والخلاق مشهور بين أهل العلم في مسألة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في ما لم ينزل عليه فيه وحي، وقد ذهب الجمهور إلى أنه صلى الله عليه وسلم يجوز له أن يجتهد في الأحكام الشرعية والأمور الدينية. وإذا اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في حكم فإن كان صوابا أُقر عليه، وإن كان خطأً لم يُقر عليه ونزل الوحي مبينا ذلك. ومن الأمثلة على هذا: اجتهاده صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر وأخذه الفداء منهم، واجتهاده صلى الله عليه وسلم في إذنه للمنافقين في التخلف عن عزوة تبوك.

فالحاصل أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الأحكام الشرعية التي لا نص فيها، فإذا أقر على اجتهاده فالواجب اتباعه ولا يجوز العدول عنه بحال، وعلى هذا فكل ما ثبت مما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا مرية فيه، وهو منزل من عند الله. وقد سبق بيان أقسام اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى رقم: 3217.

فتصديق النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه وطاعة أمره فرض واجب على كل مسلم، في كل حال وشأن من شئونه صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه لا يقر على ما يخالف مراد الله تعالى، ولذلك يمكن الإطلاق أن كل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم حق، كما روى عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.

وعن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا! قال: إني لا أقول إلا حقا. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.

والله أعلم.

ـ[إبراهيم محمد زين سمي الطهوني]ــــــــ[22 - 10 - 09, 03:04 م]ـ

بارك الله فيك أخي الحبيب أبا مسلم

نعم، الصحيح يجوز أن يجتهد الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم لا خلاف بين المسلمين قاطبة وجوب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته طاعة مطلقة. ولا يجوز لنا أن نترك كلامه لاحتمال وارد في نفوسنا، أما عدولنا عن الأخذ بقول من أقواله لعدم توفر العلة فيه، فلا يعني هذا مخالفتنا لقوله وتركنا له، وقد حصل هذا لكثير من الصحابة رضوان الله عليهم، كعدول عمر في قطع اليد يوم المجاعة، وعدول بعض الصحابة عن تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة في بني قريظة لعلة فهموها.

ـ[أبو فارس المصباحي]ــــــــ[22 - 10 - 09, 09:21 م]ـ

أخانا الكريم وأستاذنا الفاضل / إبراهيم ..

أريد أن أستفهم منك:

هل القول بأن كلامه صلى الله عليه وآله وسلم هو وحي يوحى .. تقصد به: أن كلامه منزل من السماء حرفياً .. ليس القرآن فقط .. بل وحتى اجتهاد في كل كلامه ونطقه وفي اختيار العبارات والألفاظ في تخاطبه مع الناس و حتى في اختيار طريقة ابلاغ الرسالة وكيفية الدعوة .. ؟

أرجو التوضيح ..

ـ[إبراهيم محمد زين سمي الطهوني]ــــــــ[22 - 10 - 09, 09:40 م]ـ

أريد أن أستفهم منك:

هل القول بأن كلامه صلى الله عليه وآله وسلم هو وحي يوحى .. تقصد به: أن كلامه منزل من السماء حرفياً .. ليس القرآن فقط .. بل وحتى اجتهاد في كل كلامه ونطقه وفي اختيار العبارات والألفاظ في تخاطبه مع الناس و حتى في اختيار طريقة ابلاغ الرسالة وكيفية الدعوة .. ؟

أرجو التوضيح ..

أخي الحبيب ....

طبعا، لا أقول أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وحي يوحى أنه منزل من السماء حرفيا، ولا أظن أحدا من العلماء قال هذا الكلام.

فالوحي قد يكون حرفيا من السماء كالقرآن، وقد لا يكون كذلك، كالحديث القدسي وغيره.

فإن كان عند الأخ الحبيب من أقوال العلماء ما يخالف قولي، فليذكر، فإني مشتاق إلى علم، وجزيت خيرا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير