تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

*قال تقي الدين ابن دقيق العيد في كتابه (الاقتراح) ص 152 في بيان مذاهب أهل العلم واختلاف مناهجهم في حد الحديث الصحيح، قال: (اللفظ الأول ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على عدالة الراوي العدالة المشترطة في قبول الشهادة على ما قرر في الفقه، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكون مسنداً، وزاد أصحاب الحديث أن لا يكون شاذاً ولا معللاً، وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء، وبمقتضى ذلك حد الحديث الصحيح بأنه: الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معللاً ولو قيل في هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته هو كذا وكذا إلى آخره لكان حسناً لأن من لا يشترط مثل هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف ومن شرط الحد: أن يكون جامعاً مانعاً) اهـ.

قلت: وقول ابن دقيق هذا يدل على اختلاف أهل العلم في حد الحديث الصحيح وتباين طرائقهم في ذلك كما تقدم.

وقوله: ما اشترطه أهل الحديث في حد الحديث الصحيح: أن لا يكون شاذاً ولا معللاً، وأن في هذين الشرطين نظراً عند الفقهاء تقدم هذا فيما قال القاضي أبو يعلى وابن عقيل من تضعيف الإمام أحمد للحديثين السابقين: أن هذا لا يجري على طريقة الفقهاء.

ولذلك قال أبو عبد الله بن القيم في (زاد المعاد) 5/ 96 - 97.

(وليس رواية هذا الحديث مرسلة (3) بعلة فيه، فإنه قد روي مسنداً ومرسلاً، فإن قلنا بقول الفقهاء: إن الاتصال زيادة ومن وصله مقدم على من أرسله فظاهر، وهذا تصرفهم في غالب الأحاديث فما بال هذا خرج عن حكم أمثاله؟ وإن حكمنا بالإرسال كقول كثير من المحدثين فهذا مرسل قوي …) اهـ.

* وقال ابن رجب ناقداً الخطيب البغدادي في بعض منهجه في كتابه (الكفاية) في مبحث (زيادة الثقة) وأنه لم يسلك منهج من تقدم من الحفاظ وإنما سلك منهج المتكلمين وغيرهم، فقال ص 312 من (شرح العلل):

(ثم إن الخطيب تناقض فذكر في كتاب (الكفاية) للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله كلها لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقاً كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء وهذا يخالف تصرفه في كتاب (تمييز المزيد) … اهـ.

* وقال برهان الدين البقاعي في (النكت الوفية على الألفية) ص 99 مبيناً طريقة كبار الحفاظ في تعارض الوصل والإرسال في الحديث والرفع والوقف وزيادة الثقات وناقداً لابن الصلاح الذي خلط في هذه المسألة طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين فقال:

(إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظراً آخر لم يحكه وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه وذلك أنهم يحكمون بحكم مطرد وإنما يدورون في ذلك مع القرائن …) (4) اهـ.

قلت: وقد سلك كثير من المشتغلين بعلم الحديث طريقة الفقهاء والمتكلمين من الأصوليين واختلط الأمر عليهم، ولذلك كثرت مخالفتهم لكبار الحفاظ في أحكامهم على الأحاديث فصححوا ما أعله كبار الحفاظ وضعفوا ما صححه كبار الحفاظ.

* قال عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى في مقدمته لكتاب (الفوائد المجموعة) للشوكاني مبيناً تساهل كثير من المتأخرين في حكمهم على الأحاديث:

(إنني عندما أقرن نظري بنظر المتأخرين أجدني أرى كثيراً منهم متساهلين وقد يدل ذلك على أن عندي تشدداً لا أوافق عليه غير أني مع هذا كله رأيت أن أبدي ما ظهر لي ناصحاً لمن وقف عليه من أهل العلم أن يحقق النظر ولا سيما من ظفر بما لم أظفر به من الكتب التي مرت الإشارة إليها) اهـ من المقدمة لكتاب (الفوائد المجموعة) ص8.

وقال أيضاً في (الأنوار الكاشفة) ص 29: (وتحسين المتأخرين فيه نظر) اهـ. ولذلك تجد أن بعض أهل العلم بالحديث ينبهون على طريقة من تقدم من الحفاظ في القضايا الحديثية التي يعالجونها.

* قال أبو عبد الله بن القيم في (الفروسية) ص 62 مبيناً الطريقة السليمة والمنهج الصحيح الذي كان يسلكه أئمة الحديث في الحكم على الراوي وراداً على من خالف هذا المنهج فقال:

(النوع الثاني من الغلط: أن يرى الرجل قد تكلم في بعض حديثه وضعف في شيخ أو في حديث فيجعل ذلك سبباً لتعليل حديثه وتضعيفه أين وجد، كما يفعله بعض المتأخرين من أهل الظاهر وغيرهم) اهـ.

* وقال أبو الفرج بن رجب في بيان منهج أئمة الحديث في قضية التفرد في الحديث والتفرد في بعض الألفاظ في الحديث:

(وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه أنه (5) لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه) اهـ من (شرح العلل).

* وقال أيضاً ص 272 من (شرح العلل) في اشتراط اللقاء حتى يحكم للخبر بالاتصال: (وأما جمهور المتقدمين فعلى ما قاله علي بن المديني والبخاري وهو القول الذي أنكره مسلم على من قاله …) اهـ.

* وقال أيضاً ص 311 من (شرح العلل) في مسألة الاختلاف في وصل الأخبار أو إرسالها أو تعارض الوقف مع الرفع: (وقد تكرر في هذا الكتاب ذكر الاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع وكلام أحمد وغيره من الحفاظ يدور على قول الأوثق في ذلك والأحفظ أيضاً …) اهـ.

والكلام في هذا يطول.

وعلى هذا فيستحسن بيان (منهج المتقدمين) أو (أئمة الحديث) في قضايا علم الحديث التي وقع فيها خلاف مثل العلة والشذوذ والتفرد وزيادة الثقات وغيرها من القضايا، وقد بين بحمد الله تعالى أهل العلم هذه القضايا، فدونك مثلاً (شرح العلل) لابن رجب، و (النكت على ابن الصلاح) لابن حجر وغيرها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير