[التشويق وإثارة الانتباه في الحديث الشريف.]
ـ[لطفي بن محمد الزغير]ــــــــ[19 - 11 - 09, 04:18 م]ـ
التشويق
وإثارة الانتباه
في الحديث الشريف
بقلم
الدكتور: لطفي بن محمد الزغيِّر
بسم الله الرحمن الرحيم
غني عن القول أنَّ السنة النبوية تمثل مرجعية عليا في التربية والتعليم، فضلاً عن كونها مرجعيةً رئيسة في الأحكام والعقائد، ولهذا فلا بد أن تشتمل السنة على ما يخدم هذه الغاية، وأقصد بذلك اشتمالها على أساليب تحقق التربية وتثري التعليم، وتضع القواعد، وترسم المعالم للمشتغلين في هذا السبيل، من خلال المواقف والتوجيهات والأساليب الوافرة المتنوعة في هذا الباب، والمتتبع لأحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) يلاحظ هذا الأمر جلياً فيها، بل إنني أزيد بأن السنة النبوية الشريفة قد اشتملت على وسائل في التربية والتعليم لا زالت حتى الآن هي من أنجع الوسائل.
ولست هنا بصدد حصر هذه الأساليب لأن هذا ليس مكانه،وهو أمر ليس بالهين، بل أريد أن أركز في بحثي هذا على أساليب التشويق وإثارة الانتباه التي اشتملت عليها الأحاديث النبوية، وأقصد بهذا العنوان أساليب التشويق وإثارة الانتباه التي حفلت بها السنة النبوية واستخدمها النبي (صلى الله عليه وسلم)، ليثير أصحابه أولاً، ويوصل إليهم ما يريد بأفضل الطرق وأنجعها، ويجعل ما يأتي من خلال ذلك محفوظاً لديهم راسخاً في أذهانهم.
ولعله من الحكمة أن تحظى هذه الأساليب باهتمام المعلمين والعاملين في الحقل التربوي، إذ ينبغي أن يحرصوا عليها، لأنَّ جذب اهتمام السامعين وإثارة انتباههم أمرٌ في غاية الأهمية، لأنَّ النجاح في هذا الأمر سيكون مقدمة لنجاح أكبر بعد ذلك في ما هو أهم وأعظم. والأساليب المتكلّم عنها عادةً هي؛ أساليب تشويق بصرية، وأساليب تشويق سمعية، وهذا ما سيكون محور البحث، ولكن سأزيد بعض الأساليب التي رأيت أنها من صلب موضوعي، ولهذا تناول بحثي ثلاثة مباحث أسردها كما هي غير مقلد أي تقسيم يرجع لعلم من العلوم، لقناعتي أن التقسيم الذي ذكرته أملته طبيعة البحث، وحسبما توفر عندي من مادة، وهذه المباحث هي:
المبحث الأول
أساليب إثارة الانتباه البصرية في السنة النبوية
يقصد بأساليب الإثارة البصرية تلك الأساليب التي تستخدم لإثارة المستهدفين وتشويقهم من خلال أمور لها تعلقٌ بحاسة البصر، وقدّمت البصر على غيره لأنه أسرع حواس الإنسان،وبالتالي تدرك الأشياء من خلاله بشكلٍ أسرع،لذا استحق صفة التقدم.
وعند جمع الشواهد على هذا الأسلوب وجدت أنها تتنوع إلى أساليب تسبق عملية التعليم وأساليب تأتي أثناءها، وكلها يقصد منها لفت انتباه الحاضرين لما سيقال، وهذا بيان ما أجملت.
المطلب الأول: أساليب تشويق بصرية تسبق العملية التعليمية.
ويقصد بها الأساليب التي يلجأ إليها المعلم قبل شروعه بالتدريس لجذب انتباه المتعلمين وشدِّ انتباههم، وهذا غالباً ما يحصل عندما يكون الأمر المراد إيصاله في غاية الأهمية، وهو في السنة النبوية كذلك.
ومن هذا القبيل الحديث المشهور الذي رواه عمر بن الخطاب،وأخرجه (1) عددٌ من أصحاب الكتب المعتمدة في السنة النبوية ونصّه: ((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم إذ طلع علينا رجلٌ، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحدٌ.حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام ..... ))
فهذا الوصف الدقيق الذي ذكره الرَّاوي عن حال القادم الغريب، يدل على أنَّ المراد قد تحقق، وأنَّ إثارة الانتباه قد حصلت، لأنَّ كل ما ذُكر عن حال هذا القادم مثيرٌ للاهتمام والتَّساؤل، وهذه الأمور كلها كانت بناءً على نظرٍ ومشاهدةٍ، مما جعلها من قبيل أساليب التشويق البصرية.
والأمور التي ذُكرت في هذا الحديث وأثارت انتباه الحاضرين هي:
- ظهور رجلٍ غريبٍ في ثياب ٍ بيضاء ناصعةٍ، ومظهرٍ نظيفٍ.
- عدم معرفة أحد بهذا الرجل، إذ لو كان معروفاً لقيل إنه دخل دار من يعرفه وتنظَّف عنده.
- عدم ظهور أثر السفر عليه، إذ لو كان مسافراً لظهر هذا في هيئته، من حيث اتساخ الثياب، وشعث الرأس.
¥