تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(وللبادية من أهل العمران طبٌّ يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، ويتداولونه متوارثاً عن مشايخ الحيِّ وعجائزه، وربما يصح منه البعض، إلاَّ أنه ليس على قانون طبيعي، ولا عن موافقة المزاج، وكان عند العرب من هذا الطب كثير، وكان فيهم أطباء معروفون: كالحارث بن كلدة وغيره، والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب، ووقع في ذكر أحوال النبي ? من نوع أحواله التي هي عادة وجبلَّةٌ، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه ? إنما بُعثَ ليعلمنا الشرائع، ولم يُبعث لتعريف الطب، ولا غيره من العاديات.

56

وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)).فلا ينبغي أن يحمل شيء من الذي وقع من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يدل عليه، اللهم إلاّ إن استعمل على جهة التبرك، وصدق العقد الإيماني، فيكون له أثر عظيم في النفع، وليس ذلك من الطب المزاجي، وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية، كما وقع في مداواة المبطون بالعسل ونحوه).

الجواب على هذا الاعتراض:

أقول: لمَّا كانت شريعةُ الإسلام مبنيةً على جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، وكان من مقاصد الشريعة: حفظ النفس، اندرج علم الطب في ضرورة حفظ النفس، إذ حفظ النفس هو المقصد الثاني من مقاصد الشريعة بعد حفظ الدين.

وعلم الطب: إنَّما وضِعَ خادماً لهذا المقصد، وفي هذا يقول الإمام العزُّ بن عبد السلام –رحمه الله-: (والطب كالشرع، وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام) (1).

ــــــــــــــــــ

1 - انظر: قواعد الأحكام: (1/ 4).

57

فقرن –رحمه الله-علم الطب بعلم الشرع، بجامع جلبهما لمصالح السلامة والعافية، ودفعهما لمفاسد المعاطب والأسقام (1).

وقد جاءت أحاديث صحيحة كثيرة حاثةً على تعلم الطب، والأمر بالتداوي، والحض على اختيار الطبيب الحاذق.

وكان نبينا ? يراعي صفات الأطعمة، وفوائدها، ويراعي استعمالها على قاعدة الطب (2).

قال الإمام الذهبي –رحمه الله-: (فالطب من السنن القائمة، لأنه ? فعله وأمر به) (3).

وما ورد في أدلة الشريعة: دليلٌ ظاهرٌ على أنَّ النبي ? يرى هذا العلم معتبراً.


1 - انظر: التداوي والمسؤولية الطبية: (ص93).
2 - انظر: التراتيب الإدارية، للكتاني: (1/ 456).
3 - الطب النبوي: (ص 219).

57
فعلم مما تقدم: أنه لا يصح أن يقال أن ما فعله، أو قاله النبي ? في أمور الطب من القياس، أو التجربة والاجتهاد القابل للخطأ والصواب، فهذا ممتنعٌ حفاظاً على أرواح الناس.
ولأن الوارد في الكتاب والسنة هو تشريعٌ يجب الأخذ به، وأيضاً: الشريعة الإسلامية بشمولها وثباتها، لها فضل السبق لكلِّ تقعيدٍ طبي، أو مواضعة عصرية في مجال الرعاية الصحية، وحفظ الصحة، سواء كان ذلك الطب وقائياً، أو علاجياً.
وحمداً لله فقد أثبت الطب الحادث: أنَّ كلامه ? في أمور الطب معجزة من معجزاته.
وختاماً يُقالُ لمن داخل قلبه نَوعُ شُبهةٍ: إن طب النبي ?ليس كطب الأطباء،: (فإنَّ طب النبي ?:مُتَيَقَّنٌ قطعيٌّ إلهي صادر عن الوحي، ومشكاة النبوة، وكمال العقل، وطب غيره أكثره حَدَسٌ وظنون وتجارب، ولا يُنْكَرُ عدمُ انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء له، وكمال التلقي له: بالإيمان والإذعان.
فهذا القرآن-الذي هو شفاءٌ لما في الصدور-إنْ لم يُتلقَّ هذا التلقي: لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها؛ بل لا يزيد المنافقين إلاَّ رجساً إلى رجسهم، ومرضاً إلى مرضهم.
وأين يقع طبُّ الأبدان منه؟! فطب النبوة لا يناسب إلاَّ الأبدان الطيبة:

58
كما أنَّ شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة، والقلوب الحية. فإعراض الناس عن طبِّ النبوة: كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن، الذي هو: الشفاء النافع.
وليس ذلك لقصور في الدواء، ولكن لخبث الطبيعة، وفساد المحل وعدم قبوله. والله الموفق) (1).

? ? ?

ــــــــــــــــ
1 - انظر: الطب النبوي، لابن القيم: (27 - 28).

ـ[د. محمد العطار]ــــــــ[11 - 02 - 10, 12:59 م]ـ
أبوعبد الرحمن حسن بن محمد

لو نظرت الى ما سبق وناقشناه، لكان اجمل ...
فموضوع الـ Placebo يظهر بينا في ما ذكرته، وهو يسئ للطب النبوي اكثر مما يخدمه ...

هل من مزيد من النصوص والاراء؟
بدات افكر في طباعة المقال ... بالرغم من ايماني بنقصه، ولكن فيما يبدو سبق في هذا المجال ...

ـ[أبو فارس المصباحي]ــــــــ[11 - 02 - 10, 11:08 م]ـ
ما سبق مجرد ظنون .. واستنتاجات بغير استناد إلى أدلة صحيحة (عقلية أو نقلية) ...

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتاج إلى مثل هذا التكلف لإثبات نبوّته وصدق ما جاء به ... ولا يضيره أن تكون ارشاداته في مسائل الطب نابعة من تجاربة ومما تعارف عليه العرب ومن اجتهاداته ..
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير