ـ[أبو عبدالله الطنجي]ــــــــ[07 - 03 - 03, 01:27 ص]ـ
أخي المجيدري ..
المحاذير المذكورة في تعقبكم هي التي تترتب على فهم المصطلحات الحديثية ومراعاة مواقع استعمالها في كلمات المتقدمين. ولا أظن أن أحداً يخالف في ذلك؛ إلا أن مبدأ النقاش كان حول وجه تخصيص علم الحديث بتسميته بالمصطلح؟ وهل من حرج في استعمال المصطلح كاسم عَلَم على عِلْم الحديث؟
وأما ما ذكرتم من المحاذير لا ترد على مسألتنا إطلاقاً، لأنها مفروضة في مصطلح متأخر لم يتداوله المتقدمون، فلا يجري فيه خلاف بين استعمالهم واستعمال المتأخرين!
وخلاصة القول عندي ـ والله أعلم ـ أنه لا معنى لاستثقال هذه التسمية لسببين:
أحدهما: أنه لا مشاحة في الاصطلاح
والثاني: تميز علم الحديث على بقية العلوم الشرعية بكثرة المصطلحات ووفرتها عند أهله.
بقيت الإشارة إلى أن ما ذكرتم أن لفظة المصطلح ورد ذكرها في كتاب الكفاية لأبي بكر الخطيب، فقد راجعت ولم أقف على ذلك.
ومما يتصل بهذه المسألة لأن الشيء بالشيء يذكر: تقسيم ابن الأكفاني لعلم الحديث رواية ودراية وتعريفه لكليهما بما لا يُوافق عليه عند التحقيق، فحبذا لو أن بعض الإخوة تعرض لهذا الموضوع وأتحفنا ببعض النقول عن أهل الحديث التي تنسف كلام ابن الأكفاني، والله الموفق.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[08 - 03 - 03, 12:05 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على المشاركة في هذا الموضوع
ولعل ابن دقيق العيد أول من ذكره من أهل العلم كما ذكر الأخ الفاضل (ابن القيم)
وأما ما ذكره بعض الإخوة من أن مصطلحات علوم الحديث أكثر من الفنون الأخرى فهذه تحتاج إلى بيان وتوضيح فأصول الفقه كذلك لها مصطلحات كثيرة وكذلك النحو وةالبلاغة والمنطق
وعلى هذا فينبغي من باب اتباع منهج المتقدمين في الحديث أن نأخذ كذلك بتسميتهم لهذا العلم ب (علوم الحديث)
والأمر فيه سعة.
ـ[أبو عبدالله الطنجي]ــــــــ[10 - 03 - 03, 02:53 م]ـ
لا يخفاك أيها الأخ الفاضل أن المشهور في الاصطلاح الحديثي هو توافق المحدثين على ألفاظ مخصوصة يتداولونها على وجه التعارف فيما بينهم. وعلوم الحديث تغض بالمصطلحات الفنية؛ فعلى سبيل المثال قال حافظ المغرب أبو عمر بن عبدالبر القرطبي (المتوفى سنة 463 هـ) في مقدمة كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 12):
(باب معرفة المرسل والمسند والمنقطع والمتصل والموقوف ومعنى التدليس.
قال أبو عمر: هذه أسماء اصطلاحية وألقاب اتفق الجميع عليها ... ) الخ ما قال.
وكذلك نقول: في الصحيح والضعيف والحسن، وبقية الأنواع، وطرق التحمل، وغير ذلك؛ كلها أسماء اصطلاحية. فما من نوع من أنواع الحديث إذا تأملته إلا ووجدته يندرج تحته أكثر من مصطلح. وهذا أمر محسوس مشاهد. وقد ألف بعض المعاصرين معجماً جمع فيه بعض هذه الاصطلاحات، ولا أظنه وفى المسألة حقها من البحث والتنقيب، فقد فاتته مصطلحات فنية كثيرة أستحضر منها الآن على سبيل المثال لا الحصر: مصطلح الطباق.
بل الاسم الاصطلاحي الواحد ربما تعددت أعراف المحدثين في التعامل معه؛ مثال ذلك: الإسناد المعنعن؛ قال حافظ المغرب في وقته أبو عبدالله بن رُشَيْد السبتي في كتابه الفذ السنن الأبين (ص 43):
(اعلم أن الإسناد المعنعن ـ وهو ما يقال فيه: فلان عن فلان، مثل قولنا: مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ـ المنقولُ فيه عن المتقدمين أربعة مذاهب، وحدث للمتأخرين فيه مصطلح خامس .. ) الخ.
هذا، ولا ينحصر الاصطلاح في تداول ألفاظ مخصوصة، بل يطلق أيضاً على أي عرف وقع من المحدث؛ مثال ذلك: اصطلاح البخاري في التعليقات الواردة في كتابه الصحيح، اصطلاح البغوي في كتابه (مصابيح السنة)، الاصطلاحات والرموز عند كتابة الحديث الشريف ... ، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي تناولتها علوم الحديث.
ومن أنواع الاصطلاحات أيضاً: ألفاظ المحدثين وعباراتهم في باب الجرح والتعديل؛ قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في الموقظة (ص 82):
(ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة. ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام: عُرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة) اهـ.
ومن رام جمع كلامهم في هذا الباب طال عليه ذلك، لأن عباراتهم في الجرح والتعديل مشحونة بالمصطلحات العديدة والمتنوعة.
فالمحدث هو (رجل المصطلحات) كما يقولون اليوم، فهو دقيقٌ في استعمالها وتداولها، ولذلك كان من جملة الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن تصدى للتصنيف في الحديث ما قاله النووي في التقريب (تدريب الراوي: 2/ 156):
(وينبغي أن يتحرى العبارات الواضحة والاصطلاحات المستعملة).
إذا عُلم كل هذا، فليس من الغريب أن يكون الغالب في علوم الحديث الاصطلاحات الحديثية والكشف عنها، ولعل هذا ما حذا بالبلقيني أن يقول في محاسن الاصطلاح:
(وأنواع علوم الحديث ينبغي أن تقدم العناية بمعرفتها، لأنها تشرح المصطلحات والمقاصد .. ).
ومن هنا أطلق المتأخرون على هذا العلم (علم مصطلح الحديث) من باب تسمية الشيء بجزئه، وقصدهم بذلك بحسب ما ظهر لي بعد طول التأمل: التفريق بين الأصول النظرية لهذا العلم، وبين موضوعه ومجال البحث فيه. وهذا من دقتهم رحمهم الله تعالى.
وعدم شهرة هذا اللقب بين المتقدمين لا يوجب علينا الحذر في التعامل معه، بعدما قررنا نفي وجود محاذير تترتب على استعماله. غاية ما في الأمر أن هذا (اصطلاح) يستدل به على أن هذا العلم ليس جامداً، بل يسير نحو تطور مستمر.
هذا ما سمحت به القريحة في هذه العجالة، ولعله تتاح لنا فرصة أخرى إن شاء الله تعالى للتوسع أكثر في هذه المسألة، والله الموفق.
¥