تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل تصح متابعة المدلس للمدلس؟]

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[03 - 12 - 09, 05:11 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

عَرَضَتْ لي مسألة متعلِّقة بالتدليس، وهي أن الراوي المدلِّس إذا لم يُصرِّح بسماع الحديث مِن شيخه، ورواه غيرُه عن شيخِه هذا .. فهل يُعتبر متابعاً أم لا؟ وما حُكمه إن كان الراوي الآخر مدلساً أيضاً؟ أي صار الحديث مداره على المدلّسين؟

والتدليس انقطاعٌ، فهو أخلَّ بشرط الاتصال المنصوص عليه في شروط صحّة الحديث. ولا تكون المتابعة إلاّ مِن سماع، لأن المدلِّس الذي لم يسمع مِن شيخِه إنما أسقط الواسطة - الذي هو الراوي الحقيقي عن هذا الشيخ - وقد يكون الراوي الآخَر هو هو ذلك الواسطة الذي أخذ منه المدلسُ ذاك الحديثَ!

وقد وقفتُ على كلامٍ للشيخ طارق عوض الله حول متابعة المدلس لغيره، قال فيه (الإرشادات ص419 - 420): ((وذلك لأن المدلِّس إذا لم نتحقق من سماعه لهذا الحديث بعينه من شيخه، ثم تابعه على رواية هذا الحديث عن هذا الشيخ غيرُه: لم تكن المتابعة حينئذ لذلك المدلِّس، بل للواسطة التي أسقطها بينه وبين شيخه. وقد يكون الرجل الذي أسقطه المدلِّس بينه وبين شيخه هو نفسَه ذلك المتابِع: كأنْ يكون المدلسُ إنما أخذ الحديثَ عن ذلك المتابع عن شيخه، ثم أسقطه وارتقى بالحديث إلى شيخه فرواه عنه مباشرةً مدلِّساً إياه. وعليه، يعود الحديثُ إلى ذلك المتابِع، ويبقى فرداً لا تعدّد فيه ولا متابعة. فإذا انضاف إلى ذلك أن يكون ذلك المتابع ضعيفاً، فقد رجع الحديثُ إلى مخرج ضعيف لا تقوم به الحجّة، وذلك يؤكد ضعف مخرج رواية المدلس)). اهـ

أي أن الحديث إذا رواه: راوٍ مدلِّس وآخَر ضعيف، فلا تقوم به حُجَّة ولا يُعتبر أحدهما متابعاً للآخر، لا سيّما إذا أمكن أن يكون هذا الضعيفُ هو نفسَه الواسطةَ الذي أسقطه المدلِّس.

وسؤالي هو: فماذا عن متابعة المدلِّس للمدلِّس؟ أي أنْ يَروي الحديثَ راويان كلاهما مدلِّس وكلاهما لم يصرِّح بالسماع .. هل يُعتبر أحدهما متابعاً للآخَر؟ أم تؤول رواية أحدهما إلى الآخَر؟ أم تؤول كلتا الروايتين إلى الواسطة الذي أسقطاه؟

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[03 - 12 - 09, 05:38 م]ـ

يمكن الاستئناس بهذا المخطط التوضيحي، وهو للتمثيل .. وقد يكون الساقط أكثر من واسطة.

http://img200.imageshack.us/img200/3971/95425474.png

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[04 - 12 - 09, 04:34 م]ـ

قال أبو الحسن المأربي مصطفى إسماعيل في كتابه (إتحاف النبيل، س175، 1/ 327): ((فرْقٌ بين كَون الحديث رُوي مِن طريقين مختلفين في أحدهما رجل سيئ الحفظ وفي الآخر عنعنة مدلس، وبين كون الضعيف هذا والمدلس روياه عن شيخ واحد. ففي الحالة الأولى يُحسَّن الحديث، بخلاف الحالة الثانية. لأننا نخاف من المدلس فلربما أنه أخذه عن هذا الضعيف، ثم أسقط الضعيفَ ودلَّسه. فتكون الروايتان من طريق هذا الضعيف، فلا يحسن الحديث. إلا إذا علمنا أن هذا المدلس لم يروِ قط عن هذا الضعيف، فحينذاك نستشهد به. وقد صرّح بذلك شيخنا الألباني - حفظه الله - كما في "تمام المنة" (ص72) و "الضعيفة" (3/ 145)، ولم أستفد هذه الفائدة النفيسة إلا عنه، حفظه الله تعالى)). اهـ

وقد جاء هذا الكلام على نفس الصورة التي وردت آنفاً، وهي متابعة الضعيف للمدلّس. وأنا أنقِّب عن متابعة المدلس للمدلس، لا سيّما مَن احتجّ الأئمةُ بما صرّحوا فيه بالسماع. ولنضرب مثالاً عملياً لهذا:

((قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في رجل طعن رجلاً بقرن في رجله، فقال: "يا رسول الله، أقدني! " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعجل حتى يبرأ جرحك". قال: فأبى الرجلُ إلا أن يستقيد. فأقاده رسول الله صلى الله عليه وسلم منه. قال: فعرج المستقيد وبرأ المستقاد منه. فأتى المستقيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: "يا رسول الله، عرجتُ وبرأ صاحبي! " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم آمرك أن لا تستقيد حتى يبرأ جرحك فعصيتني؟ فأبعدك الله وبطل جرحك! " ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الرجل الذي عرج من كان به جرح أن لا يستقيد حتى تبرأ جراحته، فإذا برئت جراحته استقاد)).

أخرجه أحمد (7034) عن محمد بن إسحاق قال: وذَكَرَ عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وأخرجه الدارقطني في سننه (3/ 88) من طريق ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

فهُنا قد يظنّ الناظر إلى ظاهر السند أن ابن إسحاق وابن جريج قد تابع بعضهما بعضاً عن عمرو بن شعيب. فبهذا قال مَن قال: ((نعم هذا الخبر أُعِلَّ بالإرسال، وفيه ضعف لأنه مِن طريق ابن إسحاق عند أحمد وهو مدلس ولم يصرح بالسماع. لكن تابعه ابن جريج عند الدارقطني، فيقوى بهذه المتابعة. أنه مدلس فإن تدليسه قليل مما يدل على أن ابن إسحاق حفظه من جهة المتابعة)). اهـ

وهذا خطأ بيِّن مِن وجهين:

أما أولاً: فإسناد أحمد منقطع، فابن إسحاق مدلس وقال فيه: "ذَكَرَ عمرو" وهو صريح في الانقطاع.

وأما ثانياً: فابن جريج هو الآخَر مدلِّس ولم يصرِّح بالسماع. ناهيك عن أنَّ الأئمة نصّوا على أنّه لم يسمع مِن عمرو بن شعيب شيئاً! فكيف تصحّ متابعته! والحديث محفوظ عن عمرو بن دينار لا عمرو بن شعيب.

فهنا النظر في الإسناد الذي أتى به المدلّس، هل إذا تابعه عليه مدلّس آخَر: يمرَّر أم لا؟ وهل يثبت الحديثُ عن هذا الشيخ أم لا؟

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير