فتأمل كيف أخذ من كلام الأمير بعضه وترك البعض الآخر الذي قال به جميع العلماء الموافقون منهم والمخالفون كما تقدم تركه لأنه ينقض احتماله الثاني الذي أيده بحديث وائل الذي اعترف هو (ص 24) بضعفه وانقطاعه مع أنه تفرد به الطريق الثاني دون طرقه الخمسة عنده وبقية ألفاظه العشرة لديه وبحديث علي الذي اعترف أيضا (ص 29) بضعفه لكنه جعله شاهدا لحديث وائل ولا يصلح للشهادة لشدة ضعفه فإن فيه زيادا السوائي وهو مجهول العين لم يرو عنه غير عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي وهو ضعيف اتفاقا كما قال النووي ولذا قال البيهقي فيه: " متروك " أي: شديد الضعف وهو الذي روى عنه هذا الشاهد المزعوم
وأيضا فهو خاص بالقيام من الركعتين الأوليين أي: التشهد.
وحديث وائل في النهوض من السجود مع ضعفه ولكنه عاد فقال (ص 99) فيه: " حديث صحيح صريح وحديث مالك صحيح غير صحيح " وهذا مما لم يسبق إليه من أحد من أهل العلم مع تناقضه في شطريه كما تقدم ويأتي.
3 - في الوقت الذي يحشر الأحاديث الضعيفة كما رأيت لتأييد الاحتمال الثاني بزعمه لتفسير " الاعتماد على الأرض " في حديث مالك بن الحويرث يتجاهل ما يرجح الاحتمال الثاني للاعتماد فيقول (ص 17): " ويتأيد الاحتمال الأول بحديث ابن عمر في العجن - لو صح وبفعله. . " الخ.
حديث العجن تقدم لفظه قريبا ويأتي الكلام عليه إن شاء الله والمقصود هنا أنه يوهم القراء أنه لا يوجد فيما صح من المرفوع عن ابن عمر ما يؤيد الاحتمال الأول والواقع خلافه وهو على علم به ومع ذلك فهو يشير إليه (ص 38) بعيدا عن موضعه المناسب له وأما هنا فهو لا يسوق لفظه بل يوهم أنه موقوف فإنه ذكر اعتماد ابن عمر على يديه برواية العمري الضعيف
ثم قال: " وعند البيهقي (2/ 135) اعتماده على الأرض بيديه قال الألباني: إسناده جيد رجاله ثقات كما في " الضعيفة " (2/ 392) "
ولم يسق لفظه هنا أيضا بل ساقه بعيدا عن البحث (ص 85) تشتيتا لدلالته الصريحة المؤيدة لحديث مالك بن الحويرث فإن لفظه من رواية الأزرق بن قيس قال: " رأيت ابن عمر إذا قام من الركعتين اعتمد على الأرض بيديه فقلت لولده ولجلسائه: لعله يفعل هذا من الكبر؟ قالوا: لا ولكن هكذا يكون "
ثم نقل الفاضل المشار إليه عني قولي عقبه: " قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات كلهم فقوله: " هكذا يكون " صريح في أن ابن عمر كان يفعل ذلك اتباعا لسنة الصلاة وليس لسن أو ضعف "
نقل هذا عني تحت بحثه في حديث العجن فأجاب عنه بقوله: " هذا يفيد الاعتماد فحسب وهذا قد أفاده. . حديث مالك بن الحويرث في وصفه لصلاة النبي صلى الله عليه و سلم والمسألة ليست في مشروعية الاعتماد على الأرض ولكن في هيئته وصفته (العجن) "
فأقول: بلى هما مسألتان: مشروعية الاعتماد باليدين على الأرض ومسألة العجن بهما وكلتاهما داخلتان تحت عنوان جزئك: " في كيفية النهوض في الصلاة " ولولا ذاك لم تسود من " جزئك لما صفحات في سرد حديث مالك وألفاظه وحديث وائل وطرقه الخمسة عندك وألفاظه العشرة وفي أحدها الاعتماد على الركبتين والفخذين خلافا لحديث مالك مما حملك على التصريح بالشك في دلالة حديث مالك على الاعتماد على اليدين كما تقدم نقله عنك فها أنت قد رجعت من حيث تدري أو لا تدري إلى الاعتراف بدلالة حديث مالك على الاعتماد على اليدين وأنه في ذلك مثل حديث ابن عمر هذا وأقررت قولنا بأنه صريح في أن ابن عمر كان يفعل ذلك اتباعا للسنة وليس لسن أو ضعف فالحمد لله الذي ألهمك الرجوع إلى الصواب بعد التشكيك والجهد الجهيد ولكن هل ثبت الأستاذ الفاضل على صوابه بعد أن وفقه الله إليه؟ يؤسفني أن أقول: لقد رجع فيما بعد إلى القول بأن ابن عمر فعل ذلك اضطرارا لشيخوخته (ص 72 و92) فأنكر ما كان أقره من قبل كما تقدم من شهادة ولد ابن عمر وجلسائه: " أنه لم يفعل ذلك من الكبر ولكن هكذا يكون "
والله المستعان
¥