قال الإمام مسلم ([25]): (وحماد يعدّ عندهم ([26]) إذا حدّث عن غير ثابت؛ كحديثه عن قتادة، وأيوب، ويونس، وداود بن أبي هند، والجريري، ويحيى بن سعيد، وعمرو بن دينار، وأشباههم فإنه يخطىء في حديثهم كثيراً، وغير حماد في هؤلاء أثبت عندهم، كحماد بن زيد، وعبد الوارث، ويزيد بن زريع، وابن علية).
أما قيس بن سعد، فقال أحمد: (ضاع كتابه عنه فكان يحدث من حفظه فيخطىء) ([27]).
وتقدم نقل قول يحيى بن سعيد القطان: (حماد بن سلمة عن زياد الأعلم وقيس بن سعد ليس بذاك). وقوله: (إن كان ما حدث به حماد بن سلمة عن قيس بن سعد؛ فليس قيس بن سعد بشيء).
وقال البيهقي: (حماد ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه، ويجتنبون ما تفرد به عن قيسٍ خاصة) ([28]).
وقيس بن سعد ليس من أهل بلده، فإنه كان مكياً، ولعل حماداً سمع منه في مجلس أو مجلسين، ولم يُكثر من التردد عليه، وقد دون هذه الأحاديث وضاعت عليه، فلم يُتقن حديثه.
وأما زياد الأعلم فإنه كان بصرياً، ولكن قد قال الدارقطني: (هو قليل الحديث) ([29]).
قلت: ولعلها أحاديث يسيرة، وهذا قد يؤدي إلى أن حماداً لا يتردد عليه، لقلّة حديثه، وبالتالي لا يضبطه.
الاعتبار الثاني: من جهة الرواة عنه:
وهم على قسمين:
القسم الأول: من كتب عنه من النسخ.
القسم الثاني: من سمع منه الأصناف.
والأول أقوى.
قال يحيى بن معين: (من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن سمع من حماد بن سلمة نسخاً فهو صحيح) ([30]).
والمقصود بالنسخ ما سمعه عن كل شيخٍ على حده؛ فنسخة حديثه عن ثابت، ونسخة حديثه عن حماد ... وهكذا.
وأما الأصناف، فهي الكتب المصنفة التي تجمع أحاديث الرواة، فتكون مختلطة بعضها ببعض، فمرة عن أيوب، ومرة عن حماد، ومرة عن ثابت، ومرة عن علي بن زيد بن جدعان ... وهكذا. والأول أسهل في ضبط الرواية.
الاعتبار الثالث: من جهة حديثه:
فمن سمع منه قديماً أقوى ممن سمع منه أخيراً.
وتقدم قول البيهقي: (حماد ساء حفظه في آخر عمره).
قلت: وهذا وإن لم يسبق إليه البيهقي صراحةً ([31])، إلا أن حديث الرجل في قوته ونشاطه أقوى في الجملة من حديثه حال كبر سنه وضعفه. والله أعلم.
فصلٌ
في مقدار ونوع الخطأ الذي وقع فيه حماد بن سلمة
توطئة:
لا يخفى أن مقدار ونوع الخطأ ليس على درجة واحدة، إذ منه الكثير والقليل، والفاحش واليسير.
والخطأ إما أن يكون في المتن أو الإسناد؛ وهو في الأول أشد، من حيث الجملة.
ولكل منهما درجات.
- فدرجات الخطأ في المتن:
1. شديد؛ كأن يأتي بمتن منكر مخالف للنصوص، ولذا يقول الحفاظ: (يروي أباطيل).
2. خفيف؛ كأن يصحّف أو يخطئ في كلمة.
3. ما بين ذلك.
- ودرجات الخطأ في الإسناد:
1. شديد؛ كأن يقلب الإسناد.
2. خفيف؛ كأن يصحّف اسم أحد الرواة.
3. ما بين ذلك.
وإذا كان خطأ الراوي -في المتن أو الإسناد- كثيراً؛ وُصف بقولهم: (واهي الحديث، منكر الحديث، متروك) على حسب الحال.
وإذا كان خطؤه قليلاً؛ وُصف بقولهم: (ربما وهم أو أخطأ).
وذا كان خطؤه ما بين ذلك؛ وُصف بقولهم: (يهم، يخطئ، له أوهام).
وقد أشار لمثل هذا الإمام مسلم في مقدمة التمييز.
وعند الحكم على أحدٍ من الرواة، لا بد أن يُنتبه إلى التحرير السابق، فقد يكون الخطأ الواحد أشد من أخطاء كثيرة، كما قال الدارقطني ([32]) عن أحد الرواة: (ضعيف، ليس بالقوي، يخطئ كثيراً، حدث عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر جمع النبي e بين الصلاتين. وهذا حديث ليس لابن المنكدر فيه ناقة ولا جمل، وهذا يسقط مئة ألف حديث). أي: هذا الخطأ.
وقال أبو حاتم عن هذا الحديث ([33]): (باطل عندي، هذا خطأ).
قال الذهبي معلقاً ([34]): (يعني من أتى بهذا ممن هو صاحب مئة ألف حديث أثّر فيه ليْناً، بحيث تنحط رتبة المئة ألف عن درجة الاحتجاج، وإنما هذا على سبيل المبالغة، فكم ممن قد روى مئتي حديث ووهم منها في حديثين وثلاثة وهو ثقة).
وإنما قال الدارقطني الكلام المتقدم؛ لأن هذا الحديث ليس من حديث الثوري، ولا ابن المنكدر، وكلاهما من كبار الثقات. فالذي يخطئ على الراوي المشهور بالثقة والإمامة، ويأتي بإسنادٍ كالشمس في الصحة، ليس كمن يخطئ فيمن هو دون ذلك.
وتأسيساً على ما تقدم؛ ما مقدار ونوع الخطأ الذي وقع فيه حماد بن سلمة؟
اختلف الحفاظ في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه قليل الخطأ.
¥