فهذا لا يقبل منه ما تفرد به لمظِنّة الغلط، وكلما قلَّت مرويات الراوي؛ أو تأخّرت طبقتُهُ؛ أو كان من تفرد عنه من الأئمة الذين تجتمع الهمم وتتوافر الدواعي على نقل حديثهم (5)؛ أو كان تفرُّده في أبواب العلم التي تَعُمُّ بها البلوى (6) = كلما كان ذلك أشدّ نكارةً لما تفرد به (7).
فإن غلب ذلك عليه: اتُهم الراوي وضُعِّف، قال الحافظ ابن حجر فيمن قال عنه ابن حبان: "يُغرب ويخالف"؛ قال: (فهذا إنْ كان كَثُرَ منه؛ حُكِم على حديثه بالشذوذ، وقد بيَّنا أنَّ الحديثين اللذين أخرجهما له البخاري مما وافق عليه؛ لا مما خالف فيه، والله أعلم) (8).
ولذلك فقد اطّرد وَصْفُ الإمام أحمد لمن أكثر التفرد على أقرانه في الروايات بـ"منكر الحديث"، يقول الحافظ ابن حجر عن أحد رواة الصحيح ممن وَصَفَه الإمام أحمد بذلك: (قلت: هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يُغرب على أقرانه بالحديث، عُرف ذلك بالاستقراء من حاله) (9).
فليس كل من روى حديثاً تفرد به قُبِل منه ذلك واحتُمل، بل الأمر يحتاج إلى توافر شروطٍ وصفاتٍ؛ يحصل بسببها الوثوق بعدم دخول خلل أو خطأ في الرواية، قال الإمام أبو يعلى الخليلي: (إنما أراد إبراهيم في هذا الافتعال أنْ يُغرِب على غيره، ويُحتاج في هذا الأمر إلى: الديانة، والاتقان، والحفظ، ومعرفة الرجال، ومعرفة الترتيب، ويكتب ما له وما عليه، ثم يتأمل في الرجال، فيميز بين الصحيح والسقيم، ثم يعرف التواريخ، وعمر العلماء، حتى يعرف من أدرك ممن لم يدرك، ويعرف التدليس للشيوخ) (10)، والعلم عند الله تبارك وتعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1 - ذكر من تكلم فيه وهو موثق للذهبي 1/ 66/ت 83.
2 - تاريخ أصبهان 2/ 205.
3 - الكامل في ضعفاء الرجال 2/ 77.
4 - كتاب المجروحين 3/ 130.
5 - قال مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 77: (فَأَمَّا من تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ في جلالَتِهِ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ، الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ، أو لِمِثْلِ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ، قد نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عنهما حَدِيثَهُمَا على الاتِفَاقِ منهم في أَكْثَرِهِ؛ فيروى عنهما أو عن أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ من الحديث مِمَّا لا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ من أَصْحَابِهِمَا، وَلَيْسَ مِمَّنْ قد شَارَكَهُمْ في الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حديث هذا الضَّرْبِ من الناس).
6 - قال الخليلي في الإرشاد3/ 845 عند ترجمته لأبي الحسن أحمد بن محمد الأزهر السجزي: (صاحب غرائب يأتي في الابواب التي تجمع بزيادات لا يتابع عليها).
7 - حتى ربما ضعف الراوي بحديث واحد يرويه، إما لشدة نكارته، أو لعدم احتمال حاله لهذا التفرد، مثل "عمرو بن حكام" فقد ضعف بحديث واحد فقط، قال الخليلي في الإرشاد 2/ 490: (ضعفوه لحديث يتفرد به عن شعبة).
8 - هدي الساري مقدمة فتح الباري 1/ 445.
9 - هدي الساري 1/ 453.
10 - الإرشاد للخليلي 1/ 408.
ـ[إيهاب يوسف سلامة]ــــــــ[03 - 03 - 10, 11:30 ص]ـ
جزاك الله خيرا يا أخي
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[04 - 03 - 10, 10:01 م]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم (إيهاب) وشكراً لمرورك ...
ـ[أبو هريرة ربيع العلالي]ــــــــ[13 - 05 - 10, 09:10 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[ابو محمد الكثيري]ــــــــ[15 - 05 - 10, 12:55 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[17 - 05 - 10, 01:54 ص]ـ
حياكما الله أخوي الكريمين: أبو هريرة العلالي، وأبو محمد الكثيري ..
وشكرا لمروركما ..
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[28 - 05 - 10, 05:03 م]ـ
وأنت أخي المبارك (حسين) فبارك الله فيك على مرورك وتعليقك، سعدت بك ..
ـ[أبو جهاد الأنصاري]ــــــــ[03 - 06 - 10, 12:17 ص]ـ
[توظيف ابن حبان لمصطلح (الغريب)]
جرى استعمال هذا المصطلح كثيراً عند الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى، ( http://www.ansarsunna.com) ووظفه لبيان جوانب في أحوال الرواة مفيد الوقوف عندها فيما أظن؛ ( http://www.ansarsunna.com/vb) وليكن منطلق بيان ذلك مما ذكره الإمام ابن حبان البستي في ترجمة علي بن المبارك الهنَائي في (مشاهير علماء الأمصار) فقال عنه: ( http://www.ansarsunna.com/index.php) ( من المتقنين، وأهل الفضل في الدِّين، ممن يُغرٍبُ فيُجوِّد) (1).
وددنا لو أنك تفضلت بإجراء مقارنة بين توظيف ابن حبان لمصطلح الغريب وبين توظيف الترمذى رحمهما الله لنفس هذا اللفظ!!
جزاكم الله خيراً.
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[08 - 06 - 10, 01:37 ص]ـ
مرحبا بك أخي: (أبو جهاد الأنصاري) ..
واقتراحك مفيد ووجيه، فلعلي أحاول إن شاء الله، ولا نستغني عن إفادات بقية الإخوان من أهل الحديث ..
دمت مباركاً ..
ـ[أبو عامر خالد]ــــــــ[15 - 06 - 10, 08:14 م]ـ
جزاكم الله خيرا نفع بكم
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[16 - 06 - 10, 12:07 ص]ـ
مرحباً بك أخي الفاضل: أبا عامر وجعلنا وإياك من المباركين ..