تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

20 - فأمَّا قول الله تعالى:" قل لا أجد فيما أوحى إليَّ محرما ". فقد اختلف العلماء في معناه، فقال قوم من فقهاء العراقيين ممن يجيز نسخ القرءان بالسنة: أنَّ هذه الآية منسوخة بالسنة لنهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية.

وقال آخرون معنى قوله هنا أي لا أجد قد أوحى إلىَّ في هذا الحال يعني في تلك الحال حال الوحي ووقت نزوله، لأنه قد أوحي إليه بعد ذلك في سورة المائدة من تحريم المنخنقة والموقوذة إلى سائر ما ذكر في الآية، فكما أوحى الله إليه في القرآن تحريما بعد تحريم جاز أن يوحي إليه على لسانه تحريما بعد تحريم، وليس في هذا شيء من النسخ ولكنه تحريم شيء بعد شيء، قالوا: مع انه ليس للحمار والسباع وذي المخلب والناب ذكر في قوله:" قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه ". وذلك أنَّ الله تعالى إنَّما ذكر ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين ثم قال:" قل لا أجد فيما أوحى ". يعني والله أعلم من هذه الأزواج الثمانية محرما على طاعم يطعمه إلاَّ أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فزاد ذكر لحم الخنزير تأكيدا في تحريمه حيا وميتا لأنه ما حرم لحمه لم تعمل الذكاة فيه فكان أشد من الميتة، ولم يذكر السباع والحمير والطير ذات المخلب بتحليل ولا تحريم.

وقال آخرون ليس السباع والحمر من بهيمة الانعام التي أحلت لنا فلا يحتاج فيها إلى هذا.

وقال الآخرون هذه الآية جواب لما سأل عنه قوم من الصحابة فأجيبوا عن مسألتهم كأنهم يقولون أنَّ معنى الآية قل لا أجد فيما أوحى إلىَّ مما ذكرتم أو مما كنتم تأكلون ونحو هذا قاله طاوس ومجاهد وقتادة وتابعهم قوم واستدلوا على صحة ذلك بأن الله قد حرم في كتابه وعلى لسان رسوله أشياء لم تذكر في الآية لأنه لا يختلف المسلمون في ذلك.

ذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال اخبرني إبراهيم بن أبي بكر أنَّ مجاهدا أخبره في قول الله تعالى:" قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرما على طاعم يطعمه قال ما كان أهل الجاهلية يأكلون لا اجد من ذلك محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة ". الآية قال حجاج واخبرنا ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه مثله.

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة نحوه.

وقالت فرقة: الآية محكمة ولا يحرم إلاَّ ما فيها وهو قول يروى عن ابن عباس، وقد روى عنه خلافه في أشياء حرمها يطول ذكرها، وكذلك اختلف فيه عن عائشة وروى عن ابن عمر من وجه ضعيف وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير في الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع أنه ليس شيء منها محرما وأما سائر فقهاء المسلمين في جميع الأمصار فمخالفون لهذا القول متبعون للسنة في ذلك.

وقال أكثر أهل العلم والنظر من أهل الأثر وغيرهم أنَّ الآية محكمة غير منسوخة وكل ما حرمه رسول الله مضموم إليها وهو زيادة من حكم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا فرق بين ما حرم الله في كتابه أو حرمه على لسان رسوله بدليل قول الله تعالى:" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ". وقوله:" من يطع الرسول فقد أطاع الله ". وقوله:" واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ". قال أهل العلم: القرآن والسنة وقوله:" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". وقوله:" وإنَّك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ". وقوله:" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ". فقرن الله تعالى طاعته بطاعته وأوعد على مخالفته وأخبر أنه يهدى إلى صراطه.

وبسط القول في هذا موجود في كتب الأصول وليس في هذه الآية دليل على أن لا حرام على آكل إلاَّ ما ذكر فيها، وإنَّما فيها أنَّ الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم وأمره أن يخبر عباده انه لم يجد في القرآن منصوصا شيئا محرما على الآكل والشارب إلاَّ ما في هذه الآية، وليس ذلك بمانع أن يحرِّم الله في كتابه بعد ذلك وعلى لسان رسوله أشياء سوى ما في هذه الآية.

وقد اجمعوا أنَّ سورة الأنعام مكية، وقد نزل بعدها قرآن كثير وسنن عظيمة، وقد نزل تحريم الخمر في المائدة بعد ذلك وقد حرم الله على لسان نبيه أكل كل ذي ناب من السباع و أكل الحمر الأهلية وغير ذلك، فكان ذلك زيادة حكم من الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كنكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله:" وأحل لكم ما وراء ذلكم ". كحكمه بالشاهد واليمين مع قول الله:" فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ". وما أشبه هذا كثير تركناه خشية الإطالة.

ألا ترى أن الله قال في كتابه:" إلاَّ أن تكون تجارة عن تراض منكم ". وقد حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء من البيوع وان تراضا بها المتبايعان كالمزابنة وبيع ما ليس عندك وكالتجارة في الخمر وغير ذلك مما يطول ذكره.

وقد أجمع العلماء أنَّ سورة الأنعام مكية إلاَّ قوله:" قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ". الآيات الثلاث، وأجمعوا أنَّ نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع إنَّما كان منه بالمدينة ولم يرو ذلك عنه غير أبي هريرة و أبي ثعلبة الخشني وإسلامهما متأخر بعد الهجرة إلى المدينة بأعوام، وقد روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل رواية أبي هريرة و أبي ثعلبة في النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من وجه صالح.

قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: وهذا كله يدل على انه أمرٌ كان بالمدينة بعد نزول:" قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرما ". الآية لأن ذلك مكي. التمهيد: (1/ 85 - 88).

أخوكم من بلاد الشام

أبو محمد السوري

يتبع إن شاء الله تعالى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير