والدليل على أنَّ أفعاله كلها يحسن التأسي به فيها، قول الله عز وجل: [لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة]. فهذا على الإطلاق إلاَّ أن يقوم الدليل على خصوص شيء منه فيجب التسليم له، ألا ترى أن الموهوبة لما كانت له خاصة نطق القرآن بأنَّها له من دون المؤمنين، وقال صلى الله عليه وسلم في الوصال:" إنَّي لستُ كهيئتكم إني أبيتُ يطعمني ربي ويسقيني ". فأخبر بموضع الخصوص على أنَّ العلماء من لم يجعل الوصال خصوصاً له، وجعله من باب الرفق والتيسير على أمته، وسنبين القول في ذلك في كتابنا هذا عند ذكر ذلك الحديث إن شاء الله.
قال الله عزَّ وجل: [وإنَّك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله]. وقال صلى الله عليه وسلم:" خذوا عني مناسككم ". وقال:" صلوا كما رأيتموني أصلي ".
وقال عبد الله بن عمر: إنَّ الله بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ونحن لا نعلم شيئاً، فإنَّما نفعل كما رأيناه يفعل.
وفي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله:" والله إنَّي لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده ". دليل على أنَّ الخصوص لا يجوز ادعاؤه عليه - صلى الله عليه وسلم – بوجه من الوجوه، إلاَّ بدليل مجتمع عليه، وقال صلى الله عليه وسلم:" إنَّما بُعثتُ معلماً وبعثتُ رحمة مهداة ". صلوات الله وسلامه عليه، فلا يجوز ادعاء الخصوص عليه في شيء إلاَّ فيما بان به خصوصه في القرآن أو السنة الثابتة أو الإجماع، لأنَّه قد أُمِرنا باتباعه والتأسي به – صلى الله عليه وسلم – والاقتداء بأفعاله والطاعة له أمراً مطلقاً وغير جائز عليه أن يُخصَّ بشيء فيسكت لأمته عنه، ويترك بيانه لها، وهي مأمورة باتباعه، هذا ما لا يظنه ذز لبٍّ مسلمٍ بالنبي صلى الله عليه وسلم. التمهيد: (3/ 54 - 55).
الحواشي:
[1] ونصُّ الحديث: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصدقة لغني إلاَّ لخمس: لغازٍ في سبيل الله أو لعاملٍ عليها أو لغارمٍ أو لرجلٍ اشتراها بماله أو لرجلٍ له جارٌ مسكين فتُصُدق على المسكين فأهدى المسكينُ للغني.
[2] أي حديث الرجل الذي قبَّل أمرأه وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجداً شديداً فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك، فأخبرتها أم سلمة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .. الحديث المشهور.
[3] أي في حديث الرجل الذي قبَّل وهو صائم المتقدم ذكره.
[4] أي في حديث الرجل الذي قبَّل وهو صائم المتقدم ذكره.
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
يتبع إن شاء الله
ـ[عبدالمهيمن]ــــــــ[13 - 06 - 10, 08:21 ص]ـ
جزاك الله تعالى خيراً
ـ[صالح بن بشير]ــــــــ[14 - 06 - 10, 02:28 ص]ـ
ما شاء الله جهد مشكور
ـ[أبو عاصم ياسين]ــــــــ[18 - 06 - 10, 04:15 م]ـ
بارك الله فيكم
ـ[أبو محمد السوري]ــــــــ[01 - 07 - 10, 11:31 م]ـ
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أمَّا بعد:
اعتذر للإخوة الكرام عن تأخيري في متابعة هذه الفوائد، وذلك لأنَّ النت كان عطلان عندي، كما أني شُغلتُ بعض الشيء هذه الأيام، نسأل الله التيسير.
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
ـ[فلاح حسن البغدادي]ــــــــ[04 - 07 - 10, 02:36 م]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم
لو وضعت لنا وصفاً أو تعريفاً للكتاب أعني منهج الإمام فيه، هل تراه كتاب فقه مقارن؟ أم أنه يرجح المذهب المالكي؟، هل يغلب عليه منهج الفقهاء أم المحدثين؟
وما أفضل طبعة لهذا الكتاب العظيم؟
بارك الله فيكم ونفع بكم وحشركم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
ـ[أبو محمد السوري]ــــــــ[04 - 07 - 10, 09:52 م]ـ
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أمَّا بعد:
الشكر لك أخي الحبيب:" فلاح حسن البغداي ".
وكما لا يخفى على أمثالك أنَّ الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى من أكبر علماء هذه الأمة بعد العصور الثلاثة الأولى، وكتابه المعطار التمهيد، له - في الحقيقة - ميزات عديدة، يمكن أن نجملها الآن على وجه السرعة - ولعلَّ التفصيل فيها يكون بعد الانتهاء من قراءة هذا السفر العظيم - بما يلي:
¥