[سلسلة الفوائد الحديثية (1) تفرد الطبراني بالحديث في معاجمه!]
ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[12 - 03 - 10, 04:32 م]ـ
قال أبو يعلى في مسنده (رقم/2738):
حدثنا زهير حدثنا محمد حدثنا محمد ابن عمرو عن أبي أمية عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نُهِيتُ أن أصلي وراء المتحدثين والنيام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[2738] (ضعيف) هذا إسناد غامض!! ورجاله لم أفطن لهم سوى شيخ المؤلف وابن عباس فقط!! وأبو أمية لا أكاد أميزه!!
نعم قد يكون هو أبا أمية عبد الكريم بن أبي المخارق الضعيف المشهور!! وبهذا جزم حسين الأسد في تعليقه!! ثم قال: (وهو لم يدرك ابن عباس؛ فالإسناد منقطع!!).
قلت: إن صح احتمال كون أبي أمية هو عبد الكريم؛ فالظاهر أن في إسناد المؤلف سقطًا بين عبد الكريم وابن عباس؟!
ويؤيده: ما أخرجه الطيالسي [2645]، قال: (حدثا شريك عن عبد الكريم عن مجاهد أو عكرمة عن ابن عباس به مرفوعًا مثله).
وهذا إسناد تالف!! شريك هو القاضي النخعي ضعيف الحفظ مضطرب الحديث على جلالته!!
وعبد الكريم هو ابن أبي المخارق ضعفه الجمهور؛ وتركه جماعة!! وقال ابن عبد البر (مجمع علي ضعفه!!) ثم اعتذر لمالك عن الرواية عنه!! راجع ترجمته من (التهذيب) وذيوله.
وقد خولف شريك في وصله!! خالفه ابن عيينة!! فرواه عن عبد الكريم عن مجاهد - بدون شك- به مرسلاً ... !! ولم يذكر فيه ابن عباس!! هكذا أخرجه عبد الرزاق [2491]، وابن أبي شيبة [6467].
وكأن هذا الأشبه!! وهو ضعيف على كل حال!!
وللحديث طرق أخرى عن ابن عباس لا يصح منها شيء أصلاً!! بل جزم أبو داود وابن المنذر بكونها واهية!! وكذا له شواهد عن جماعة من الصحابة معلولة أيضًا كما بسطنا الكلام علي كل ذلك في (غرس الأشجار).
نعم: أخرجه الطبراني في الأوسط [5/ رقم 5246]، من طريق محمد بن الفضل السفطي عن سهل بن صالح الأنطاكي عن شجاع بن الوليد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة به مرفوعًا بلفظ: (نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام).
قلت: وهذا إسناد ظاهره الجودة!! رجاله كلهم معروفون مقبولون:
شيخ الطبراني وثقه الخطيب في تاريخه [153/ 3]، وقال الدارقطني: (صدوق) كما في سؤالات الحاكم له [ص /145 رقم 197].
وسهل بن صالح ثقة صالح من رجال (التهذيب).
وشجاع بن الوليد هو الحافظ الفقيه الثقة المشهور؛ وفيه كلام يسير؛ فهو وإن ضعفه أبو حاتم الرازي - وتشدده معلوم- فإنه قال: (إلا أن عنده عن محمد بن عمرو بن علقمة أحاديث صحاح) كما في الجرح والتعديل [278/ 4].
وهذا الحديث من روايته عن محمد بن عمرو؛ فلم يبق إلا محمد بن عمرو!! وبه أعله الهيثمي في المجمع [202/ 2]،فقال: (واختلف في الاحتجاج به!!).
والصواب بشأنه: أنه حسن الحديث ما لم يخالف!! ومن حاول توهينه في أبي سلمة خاصة!! فلم يفعل شيئًا!! كما أوضحناه في غير هذا المكان.
ثم رأيت الحافظ قد وهَّى هذا الإسناد في الفتح [485/ 1]، وأحوال رجاله الماضية لا تساعده على ذلك أصلاً!! ولو أنه ضعَّف إسناده كما فعل صاحبه العيني في العمدة [114/ 4]، لكان عذره في ذلك أوضح مع الرفض أيضًا!!
فالظاهر: هو القول بتحسين هذا الإسناد الماضي كما جزم بذلك الإمام في الإرواء [96/ 2].
لكن في القلب منه شيء!! وأخشى أن يكون متنه قد انقلب على بعضهم!! فإن الحديث بهذا الإسناد غريب في ذوقي؟! لكني لست ابن المديني حتي أجزم بذلك هنا!!
ونحن قد نقبل من بعض المتقدمين إعلاله للحديث وإن لم يُبْدِ حجته على ذلك!! فإن هؤلاء النقاد المتقدمين من كثرة ممارستهم للعلل، ومخالطتهم للنقلة؛ صارت لهم ملكة قوية؛ وذوق عجيب؛ في نقد المتون والأسانيد؛ ولذلك فإنك تراهم لا يغترون بظواهر الأسانيد!! بل كان لهم في غربلة الأخبار جَلَد إلى الغاية!!
بل كان بعضم يمكث الأزمان لأجل معرفة ما اعترى الحديث الواحد من وهم أو خطأ!!
وفي هذا يقول الخطيب في الجامع [257/ 2]: (من الحديث ما تخفى علته!! فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد، ومضي الزمن البعيد!!) ثم أسند عن ابن المديني - بإسناد ضعيف- أنه قال: (ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة!!).
¥