تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القسم الثاني: أن لا يوجد أحداً نصّ على التفرد. فحكم الباحثِ عليه بالتفرد أو الغرابة أمرٌ صعبٌ, لأنه أمر غير سهلٍ أبداً, لكن إن أمعن ودقّق النظر مع موافقة أهل حديث معه, فقد يحكم بالتفرد مع أنّه قابلٌ للردّ.

(كَيْفَ نُكوِّنُ ملَكةُ فَهْمِ العِلَلْ؟)

سبَق الذِّكر أنَّ طَالبَ العِلَلِ لا يُمْكِن لَهُ الوصولَ إِلى دَرَجةِ النقًّاد القُدامى البتةَ, وأما طُرُق فَهْمهَما فَهِي ثَلاثٌ:

أولا: التمكُّنُ مِنْ قَواعِدِ القَبُولِ والرَّدِّ, فمَتَى يقبل الحَديث؟ ومَتَى يُردُّ الحديث؟ وهذه تكمُنُ فِي دِرَاسَةِ عِلمِ مصْطَلحِ الحَديثِ, (حِفظاً, وفَهماً, وتَدبّراً) وهَذِهِ الدِّرَاسةُ لا يَصِحُّ الاقْتِصَار عَلَى النَّظَري, فالاقْتِصَار عَلَيهِ لا فَائِدةَ كأنْ تحفظَ "ألفيةً حديثيةً".

ثانياً: التَّمكُّن مِنْ عِلْمِ الجَرْحِ والتعديلِ, فيعرفَ مَنْزِلةَ الرَّاوِي الدَّقِيقَةِ جَرحاً وتَعديلاً, لأنَّ مراتبَ الرواةِ متفاوتةً كما تعلَمُ (7) فهذا العلمُ يعينُ علَى معْرفةِ منزلةِ الرّاوي العامة, والخاصة –عن شيخِهِ مَثَلاً-. ويَدْخلُ فِيهِ مَعْرِفَةُ زَمَن مَولده وَوَفَاتِه والشُّيوخِ الَّذِينَ سَمِعَ عَنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَسْمَع مِنْهم لأنَّه لَه عَلاقةٌُ وطيدةٌ بالاتِّصَالِ والانْقطَاعِ.

ثالثاً: قِرَاءةُ كُتُبِ العِلَلِ التطبيقية, فنأخُذْ "عِلَلَ الدَارَ قُطْنِي" فَتَقْرأ فيه, فلا تَقرَأه كَمَا تَقْرَأ صَحِيحَ البُخَارِي, بَل يَجِبُ الوُقُوفُ مَعَ كُلِّ حَدِيثٍ, وتحاولُ مَعْرفةُ سَبَب التَّرجِيح, وَمَعْرِفَةُ الوسائل الَّتِي اتَّبَعَهَا فِي التَّرجِيحِ, والوَسَائِلِ الَّتِي اتَّبَعَها فِي تَتبُّعِ طُرِقِ الرِّوَايَاتِ وَالاخْتِلافَاتِ, والوَسَائِلِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَليْهَا للخُروجِ بِالرَّأيِ الَّذِي تَبنَّاهُ, فَالمَسْألةُ غَير سَهْلةٍ فَلا يَنفَعُ التَّقلِيد بِطَرِيقِهِ إِنِّمَا بِحُكْمِهِ لَيْسَ إِلاَّ, فِإذَا اسْتَوعَبْتَ وفَهِمْتَ فِي قِراءةِ كُتُبِ العِلَلِ فَهِيَ الطَّرِيقَةُ المُثْلَى لِتَكْوِينِ المَلَكَةِ رُسُوخاً وعُمقاً.

ومِن هَذا القِسْم نقولُ: طريقةُ التفقّه في كلامِهم ترجِع إلى ثَلاثَةِ أمورِ أساسية:

أولا: تَصَوُّرُ الاخْتِلافِ, وهَذَا إمَّا أن يكون مجرَّد القِرَاءَةِ تَعرِفُ, وهَذَا بَعْدَ المُمُارَسَةِ الطَّويلَةِ, أمَّا فِي بِدَايةِ الأَمْرِ يَجِبُ عَمْل " مُشَجَّرةُ الطُّرُقِ ". وطريقتها: أنْ تَذْكر اسْم الصَّحابي الذي رَوَى الحديثَ (ابن عباس) ثم إن كَانَ الحَدِيثُ مَدارهُ عَلَى عِكرَمَة تقول (عكرمة عن ابن عباس) إمَّا إن كان رواة هذا الحديث عن ابن عباس كثُر, فتجعل لكل راوٍ عَموديًّا, ثمَّ النَّظَرُ إِلَى أوجُهُ الخِلاف والتَّفارُقِ فراو رَفَعَه عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. والآخَرُ وَقَفَه, فتضعُ كلَّ مَن وَقَفَ الحَديث فِي جَانبٍ, وَمَنْ رَفَعَ الحَدِيث فِي جَانِبٍ, ثم النَّظَر إِلَى مَنِ اخْتَلَفوا عَلَى عِكْرِمَةَ .. وهكذا .. .

وفِي الخِلافِ أوْجُهٌ كَثِيرةٌ وطُرقٌ مُخْتَلِفَةٌ صَعبةٌ عَائِصةٌ ليْسَ هذا مَوضِعُ ذِكْرِهَا.

ثانياً: مَعْرِفَةُ مَرَاتِبِ الرُّوَاةِ, فِي هَذا الحَدِيثِ خَاصَّةً مِنْ حَيثُ الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ, ومن هنا تَبْرزْ أهَميَّة "تَحقِيقُ كُتُبِ العِلَلِ" فَالإِمَامُ فِي تَعْلِيلِه لا يَذكُر مَرْتِبَتَهُمْ, بَلْ تُذْكر هَذَا فِي حَوَاشِيهِمْ, وكَتَاب "العِلَلُ للدَّارَ قُطْنِي" مَخْدُومٌ خِدْمةً جيَّدة, وكِتَابُ "العِللُ لابْنِ أبِي حَاتِمٍ" كَذَلك, فَِمنْ خِدْمَتهِم " تَبْيينُ أحْوَالِهِم مِن كَلامِ الحَافِظِ فِي التَّقْرِيبِ" وإنْ كَانَ هَذَا لا يُفيدُ فائدةً كبيرةً إلاَّ أنَّه يفتِّح الأبْوابَ ويبصِّر حَالَه بالعَامِ, لذَا عَليكَ أن تُراجِعَ كُتُبَ الجَرْحِ والتَّعدِيلِ, هل تكلَّم عليهِ البخاري؟ هل تكلَّم علَيهِ الدَّار قُطْني؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير