تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و قد خولف وهب بن بقية في هذا الإسناد , فقال أبو جعفر الطحاوي: حدثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد البغدادي: حدثنا عمرو بن عون الواسطي: حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه.

قلت: هكذا في الأصل " عمرو بن مرة عن أبي موسى ". لم يذكر بينهما أبا عبيدة، فلا أدري أسقط من الأصل , أم الرواية هكذا وقعت للطحاوي ?! و غالب الظن الأول، لأمور:

1 - أن عمرو بن مرة لم يسمع من أبي موسى بل لم يذكروا له رواية عنه , و كان لا يدلس , فينبغي أن يكون بينهما راو , و ليس هو إلا أبو عبيدة.

2 - أن ابن كثير قال: قال شيخنا الحافظ المزي: " و قد رواه خالد بن عبد الله الواسطي عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى ".

قلت: و الظاهر أنه يشير إلى هذه الرواية.

3 - أنهم ذكروا لأبي عبيدة رواية عن أبي موسى.

4 - أن الهيثمي أورده في " المجمع " (7/ 269) من حديث أبي موسى ثم قال:" رواه الطبراني , و رجاله رجال الصحيح ".

و غالب الظن أنه عند الطبراني من هذا الوجه الذي ذكره المزي , فإذا كان كذلك ,و فرضنا أنه كانت الرواية عنده عن عمرو بن مرة عن أبي موسى , لنبه الهيثمي على انقطاعها , و إن كان يفوته كثير التنبيه على مثله. والله أعلم.

ثم إن إسناد الطحاوي المتقدم رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شيخ الطحاوي محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد البغدادي و هو ثقة مأمون كما روى الخطيب في ترجمته (1/ 392) عن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش. مات سنة ست و سبعين و مائتين .

و على هذا فينبغي أن يكون هذا الإسناد صحيحا , لاتصاله , وثقه رجاله , لولا أنه قد اختلف في إسناده على العلاء بن المسيب , فرواه عمرو بن عون الواسطي عن خالد ابن عبد الله عنه هكذا.

و خالفه وهب بن بقية فرواه عن خالد عن العلاء عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود.

و هذه الرواية أولى بالأخذ بها و الاعتماد عليها , لأن وهب بن بقية ثقة أيضا من رجال مسلم , و روايته موافقة لرواية أبي داود المتقدمة عن العلاء , و هي من رواية أبي شهاب الحناط و اسمه عبد ربه بن نافع الكتاني من رجال الشيخين.

و من المحتمل أن يكون هذا الاختلاف على العلاء بن المسيب ليس من الرواة عنه , بل منه نفسه , لأنه مع كونه ثقة , فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه , حتى قال الحافظ في " التقريب ": " ثقة ربما وهم ".

قلت: فمن الممكن أن يكون وهم في قوله في هذا الإسناد: عن عمرو بن مرة [عن أبي عبيدة] عن أبي موسى , و إذا كان قد صح عنه على الوجه الآخر " عن عمرو عن أبي عبيدة عن ابن مسعود ". فالقلب يطمئن لهذه الرواية دون تلك لموافقتها لرواية علي بن بذيمة و سالم الأفطس عن أبي عبيدة عن ابن مسعود. و على ذلك , فإسناد الطحاوي و كذا الطبراني عن أبي موسى يكون شاذا , فلا يكون صحيحا , و هذا إذا سلم من الانقطاع بين عمرو بن مرة و أبي موسى على ما سبق بيانه.

و إذا تبين هذا فالمحفوظ في هذا الحديث أنه من رواية أبي عبيدة عن ابن مسعود فهو على هذا إسناد ضعيف منقطع. قال المنذري في " الترغيب " (4/ 170):" أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه , و قيل: سمع ".

قلت: و الصواب الأول , فقد قال شعبة عن عمرو بن مرة: سألت أبا عبيدة: هل تذكر من عبد الله شيئا ? قال: لا. و قال الترمذي: لا يعرف اسمه , و لم يسمع من أبيه شيئا. و كذلك قال ابن حبان: إنه لم يسمع من أبيه شيئا. و بهذا جزم الحافظ المزي في " تهذيب التهذيب " , و تبعه الحافظ في " تهذيبه ".

قلت: فقول الترمذي عقب الحديث:" حديث حسن غريب ".

مما يتعارض مع الانقطاع الذي اعترف به هو نفسه. و ذلك من تساهله الذي عرف به.

و جملة القول أن الحديث مداره على أبي عبيدة , و قد اضطرب الرواة عليه في

إسناده على أربعة وجوه:

الأول: عنه عن أبيه عبد الله بن مسعود.

الثاني: عنه عن مسروق عن ابن مسعود.

الثالث: عنه مرسلا.

الرابع: عنه عن أبي موسى.

و لقد تبين من تحقيقنا السابق أن الصواب من ذلك الوجه الأول , و أنه منقطع فهو علة الحديث. و به جزم المحقق أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " رقم (3713). وبالله التوفيق.

و كان الحامل على كتابة هذا البحث أن بعض الكتاب ادعى في مجلة " الوعي الإسلامي " العدد الأول من السنة الثانية (ص 96) أن الحديث مما صح عن الرسول صلوات الله و سلامه عليه. فأحببت أن أتيقن من خطئه فيما قال , فكان من ذلك هذا المقال. و كتبت إلى المجلة بخلاصة نافعة منه في أشياء أخرى بتاريخ لا يحضرني منه إلا السنة 1386 هـ , و لكنها لم تنشر. و لله في خلقه شؤون.

*


*
[1] قلت: و لم يعرفه العيني في كتابه " مغاني الأخيار " كما في تلخيصه " كشف الأستار " , و ليس هو محمد بن إبراهيم المروزي المترجم في " الميزان " و المتكلم فيه كما توهم المعلق على " الكشف " بل هو آخر , و ترجمته عند الخطيب أيضا عقب هذا. اهـ.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير