: (أما إنه صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب يا أبا هريرة منذ ثلاث) فقال: لا، قال: (ذلك شيطان) فقُبِل كلام الشيطان هنا لأنه موافق للحق ..
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه للحموية:" وهذا منهج عام لإقامة الحجة وإيضاح المحجة في أبواب الدين كله، وهو أنه لا يلزم من نقل الناقل عن كتاب أنه يزكيه مطلقا، وقد ينقل عنه ما وافق فيه الحق تأييدا للحق وإن كان خالف الحق في غير ذلك، فلا يُعاب على من نقل من كتاب اشتمل على حق وباطل، إذا نقل ما اشتمل عليه من الحق. وأيضا تكثير النقول عن الناس على اختلاف مذاهبهم هذا يفيد في أن الحق ليس غامضا؛ بل هو كثير، شائع، بيِّن.
وأيضا لا يلزم من اختلاف الناقل مع المنقول عنه أن يترك الاستفادة مما قاله. لهذا ينقل علماؤنا عن بعض المتكلمين، وعن بعض المفسرين الذين عليهم ملاحظات، كـ: ما ينقلون عن أبي السعود مثلا، وعن الرازي وعن القرطبي، وأشباه هؤلاء، الذين عليهم ما عليهم من ملاحظات في العقيدة؛ لكن ينقلون ما أصابوا فيه، فإذا أصاب القائل فإنه يُنقل عنه إذا احتيج إلى ذلك في تقرير الحق في مسألة ما، كما فعل شيخ الإسلام ها هنا. فيقبل الحق ممن جاء به ولو كان كافرا.
كما قُبِل الحق من الشيطان في قصة أبي هريرة مع الشيطان في صدقة الفطر المعروفة، حيث جاء يأخذ فمسكه أبو هريرة، ثم جاء يأخذ فمسكه، ثم جاء يأخذ فمسك، ثم قال له: ألا أدلك على كلمة إذا قلتها كنت في أمان، أو عصمتك ليلتك كلها؟ إقرأ آية الكرسي كل ليلة فإنه لا يزال عليك من الله حافظ حتى تصبح. فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام «صدقك وهو كذوب» سَلِم بهذا التعليم، وأخذ به مع أنه من الشيطان.
كذلك النبي عليه الصلاة والسلام أقر إفادة اليهود والنصارى لنا بما فيه تنزيه رب العالمين وعدم التشريك به في قول من قال ما شاء الله وشاء محمد، فقال عليه الصلاة والسلام «قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد»؛ لأن اليهود قالوا: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تنددون.
كذلك قالت طائفة من النصارى: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تنددون. تنددون يعني بقول ما شاء الله وشاء محمد، فأخذنا هذا منهم مع أنهم ليسوا بأهل توحيد، هم أهل شرك وهم أهل التنديد الأعظم بالله؛ لكن ينطق الله بعض عباده بالحق وإن كان على الباطل في بعض أموره.
لهذا ذكر الأئمة -أئمة الدعوة رحمهم الله- وخاصة الشيخ محمد رحمه الله في مسائل كتاب التوحيد: أنّ صاحب الهوى يكون له فهم فيؤخذ من فهمه، فلهم ذكاء فيؤخذ من ذكائهم ما أصابوا فيه.
وهذه قاعدة عامة في طريقة الأئمة. انتهى كلام الشيخ صالح
وكذلك قال الشيخ مقبل الوادعي في المقترح:" أنت تأخذ الحق ممن جاءك، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقر الشيطان على كلمة الحق، لما قال الشيطان لأبي هريرة: ((إنّك إذا قرأت آية الكرسيّ عند نومك لا يقربك شيطان)) قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لقد صدقك وهو كذوب)) وفى "سنن النسائي" بسند صحيح عن قتيلة امرأة من جهينة أنّ يهوديًّا أتى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إنّكم تندّدون، وإنّكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربّ الكعبة، ويقولون: ما شاء الله ثمّ شئت.
قلت (أبو الحسين):" ولكن الذي قاله الشيخ صالح والشيخ مقبل محل نظر فإن أبا هريرة لم يتعلم من الشيطان ولو علم به شيطان لم يقبل منه أبدا وإنما تعلم أبو هريرة من النبي صلى الله عليه وسلم لا غير والله أعلم".
وقال الأستاذ الدكتور عصام بن عبد الله السناني في جني الثمر بشرح نخبة الفكر ص74:" وينبغي التفريق عند علماء أهل السنة بين ترك الرواية عن المبتدع من أجل عقوبته على بدعته وزجر الناس عن الاغترار به، وبين ترك الرواية عنه مطلقاً، فقد يترك أئمة الحديث رواية المبتدع الصدوق الضابط الداعية إلى بدعته المشتهر بها لا انتحالاً لترك الرواية عنه وإنما من باب هجر البدعة وأهلها، حتى إذا مات وزال ما خشي من تزيين بدعته رووا عنه".وهذه بعض الأمثلة لمن خرج لهم الشيخان وهم أصحاب بدعة
الأول: إبان بن تغلب الكوفي
قال الذهبي في ميزان الاعتدال في نقد الرجال ج1/ص118
"ابان بن تغلب الكوفي شيعي جلد لكنه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته".
¥