تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نشأةُ عِلْمِ الحديثِ وتدوينُه - فضيلة الشيخ طارق بن عِوَض الله

ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[17 - 06 - 10, 12:26 ص]ـ

عَصْرُ الصحابةِ:

انقضى عصرُ الخُلفاءِ الراشدينَ – رضيَ اللهُ عنهم – ولم يَكتُبِ المُسلمونَ مِن حديثِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم شيئاً يُذيعونهُ بينَ الناسِ إلا القليلَ، إلا ما كانَ مِن عبدِ اللهِ بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -؛ فقدْ كتبَ لنفسِهِ شيئاً كثيراً.

روى البُخاريُ عن أبي هُرَيْرَةَ - رضيَ اللهُ عنهُ -، قال: ما مِن أحدٍ مِن أصحاب النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أكثرُ حديثاً عنهُ مِنِّي، إلا ما كان مِن عبدِ اللهُ بن عمروٍ، فإنه كان يكتب ولا أكتب.

ولكنهم – مع ذلك – صَرَفوا هِممهم إلى نشرِ الحديثِ بطريق الرواية: إما بنفسِ الألفاظِ التي سَمِعوها مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم – إن بقيت عالقةً في أذهانِهم – وإما بما يؤدي معناها مِن ألفاظٍ غيرِها – إن غابت ألفاظُهُ عنهم -.

ووهبهم اللهُ عزَّ وجلَّ صبراً على طلبِ الحديثِ عن أهلِهِ، مع حافِظةٍ واعيةٍ، ونفسٍ صافيةٍ، وذِهنٍ وَقَّادٍ يصلُ إلى تَبَيُّنِ المُرادَ مِن الكلامِ ويعي ما يُلقى إليه.

وإن قوماً انحدرتْ نُطَفُهُم مِن أصلابِ رجالٍ حَفِظوا أشعارَ شُعرائِهِم، ووعتها صدورُهُم مِن غير أن يُقَيِّدوها بالكتابة – إلا ما كانَ يَحْدُثُ في النَّدْرةِ – لَخَليقُونَ أن يحفظوا حديثَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم، وهو الذي ملأَ نُفُوسَهُم عَظَمَةً فَأَكْبروهُ، وأَجَلُّوهُ، وفَدَوْهُ بالأنْفُسِ والأموالِ.

عَصْرُ التابعين:

على هذا انقضى عصرُ الخُلفاءِ الراشِدينَ، بل عصرُ الصحابةِ كُلِّهِم أجمعين، فلما كانَ على رأس المائةِ الثانيةِ مِن هِجرةِ النبي صلى اللهُ عليهِ وسلم، وفي عهدِ أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بن عبدِ العزيزِ بنُ مروان – رضي الله عنه -، خافَ أهلُ البصرِ – وعلى رأسِهِم أميرُ المؤمنينَ – دُروسِ العِلمِ بِمَوْتِ أهلهِ، فكتبَ عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى أبي بكرِ بنِ حزمٍ: انظر ما كان مِن حديثِ الرسول صلى اللهُ عليهِ وسلم فاكتُبهُ، فإني خِفْتُ دُروسَ العِلمِ وذهابَ العُلماءِ. رواه البُخاري في صحيحه.

وكان العُلماءُ والصحابةُ يتحرجونَ مِن كتابةِ حديثِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مخافةً أن يختلطَ عندَ النَّاسِ بالقُرآنِ، فقد كانَ المُسلِمونََ في أولِ العهدِ به. ولكن عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – قد أَمِنَ ما خافَ السَّلَفُ مِن قبلِهِ؛ لاستقرار الناسُ على مصاحِفِ عُثمانَ بن عَفان رضي اللهُ عنهُ.

وكانَ ما كتبهُ إلى بن حزمٍ أَوَّلَ بداءةِ التفكيرِ في جمعِ المحفوظِ مِن حديثِ رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلم، ثُمَّ أَمَرَ مُحَمَّدَ بنَ شِهابٍ الزُهْرِيَّ بكتابتِهِ؛ فكانَ أَوَّلَ مَن كَتَبَ شيئاً مِن الحديثِ.

عَصْرُ أتباعِ التابعين:

ثُمَّ جاءَ مِن بَعدِ ذَلِكَ طَبَقَةٌ مِن العُلماءِ في عَصرٍ واحِدٍ، (لا يعلمُ أهلُ الفنِّ أيُّهُم أسبقُ إخوانِه)، فَصَنَّفَ كُلُ واحِدٍ منهم كِتاباً جَمَعَ فيهِ أبواباً مِنَ الحديثِ ممزوجةٍ بأقوالِ الصحابةِ وفتاوى التابعينَ.

مِن هؤلاءِ العُلماءِ: الإمامُ عبدُ المَلِكِ بن عبدِ العزيزِ بن جُرَيْجٍ (في مكة)، وهُشَيْمٌ بنُ بَشِيرٍ (بِواسِط)، والإمام مالك أومُحَمَّد بن إسحقَ (بالمدينة)، ومَعْمَرُ بن راشِدٍ (باليَمَن)، وعبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ المَرْزَوِيُّ (بِخُراسان)، والرَّبيعُ بنُ صَبِيحٍ أو سعيدُ بن أبي عَرُوبة أو حَمَّادُ بن سَلَمَةَ (بالبَصْرة)، وسُفيانُ الثَّوْرِيُّ (بالكُوفَة)، والأوزاعِيُّ (بالشَّام)، وجَريرِ بن عبدِ الحميدِ (بالرَّيِّ)، وغير هؤلاء.

عَصْرُ تَبَعِ أتباعِ التابعين وما بعدَهُ:

ثُمَّ جاء مِن بعدِ ذَلِكَ طبقةٌ أُخرى مِن العُلماء، صَنَّفوا كُتُباً في الحديثِ، مُجَرَّدَةٍ عَن أقوالِ الصحابةِ وفتاوى التابعينَ، وسلكوا في ذَلِكَ طريقَتَين:

- إحداهما: التصنيف على "الأبواب"، وهو تخريجُهُ على أحكامِ الفِقهِ وغيرها، وتنويعُهُ أنواعاً، وجَمْعُ ما وَرَدَ في كُلِّ حُكمٍ وكُلِّ نَوعٍ؛ في بابٍ فبابٍ.

ومِن أشهرِ هذهِ الكُتُبِ: الكُتُبُ الخمسةُ الأصولُ (التي هي: الصحيحان، وسُنَنُ أبي داوُدَ، وسُنَنُ النَّسَائِيِّ، وجامِعُ التِّرْمِذِيِّ.

- والثانية: تصنيفُهُ على "المسانيد"، وجَمْعُ حديثِ كلِّ صحابيِّ وحدهُ، وإن اختلفت أنواعُهُ.

ومِن أشهر هذه المسانيد: مُسْنَدُ الإمامِ أحمدَ بن حنبلٍ، ومُسْنَدُ أبي داوُدَ الطَّيالِسِيِّ، ومُسْنَدُ إسْحَقَ بن رَاهَوَيه، ومُسْنَدُ عبدِ بن حُمَيدٍ، وغيرُها.

إلا أن العُلماءَ في هذه الطبقةِ (عدا الشيخَيْنِ) وفي الطبقات السابقةِ لم يُجَرِّدوا الصحيحَ عن غَيرِهِ، بل جَمَعُوا ما يَصِحُّ وما لا يَصِحُّ في مُصَنَّفٍ واحدٍ.

ثُمَّ جاءَ فارِسا الحَلَبَةِ، والسَّابِقانِ في هذا المِضمارِ، إماما المُحَدِّثِينَ، وقُدْوَتا المُصَنِّفينَ: الإمامُ مُحَمَّدُ بن إسماعيلَ البُخَارِيُّ، وتِلْمِيذُهُ الإِمامُ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ؛ فصَنَّفا كِتابَيْهِما اللذَيْنِ عَلَيهِما مَدارُ الفِقْهِ الإسلامِيِّ، وجَرَّدَا فيهِما صِحاحَ الأحادِيثِ؛ فكانا بذلك العمل أَوَّلَ مَن صَنَّفَ في الصَّحيحِ المُجَرَّدِ عن غيرِهِ.

ثُمَّ سارَ العُلماءُ بعدَ ذلك على هذا الطريقِ، فأكثروا مِن التصنيفِ بالطريقتين، وقَصَدَ بعضُهُم أيضاً إلى تجريدِ الصحيحِِ – كما فَعَلَ الشيخانِ-، ومِن هؤلاء الذين قصدوا إلى تجريده:

الإمام ابن خُزَيْمَةَ، والإمام ابن حِبَّانَ، والإمام أبو عبد اللهِ الحاكِم النيسابوري؛ إلا أنهم وَقَعَ لهُم تساهلٌ في التصحيحِ ممعروفٌ، إلا أنَّ ابن خُزَيْمةَ أَقَلُّ الثلاثةِ تساهلاً، يليهُ ابنُ حِبَّانَ، يليه الحاكِم النيسابوري.

كتبه: فضيلة الشيخ أبو مُعاذ طارق بن عِوَضِ الله

مِن كِتاب: تقريبُ عِلمِ الحديث – المُستوى الأول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير