أجيب: هذا الحديث رواه أبو داود في كتاب الصلاة (840) والنسائي في افتتاح الصلاة (2/ 207) واحمد في المسند (2/ 381)، وقال القاري في المرقاة: قال ابن حجر سنده جيد، قال المباركفوري: حديث أبي هريرة هذا صحيح أو حسن لذاته رجاله كلهم ثقات، قلت: والغرابة ليست تضعيفا للحديث وإنما وصف له، وإلا فهناك أحاديث صحيحة غريبة بل من أعلى درجات الصحة كحديث الأعمال بالنيات، وحديث كلمتان خفيفتان على اللسان، فهي في البخاري ومع ذلك هي غريبة باعتبار طرقها، أو تسمى أحاديث أفراد.والله اعلم.
ناقش أصحاب القول الثاني أدلة الجمهور:
خاصة في حديث وائل، حيث قالوا: حديث وائل أخرجه أبو داود (838) والنسائي (2/ 206 - 207) والترمذي (268) وابن ماجه (882) والدارمي (1/ 303) وابن خزيمة (1/ 318) والبيهقي (2/ 98) والدارقطني (1/ 345) كلهم من طريق يزيد بن هارون عن شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد000 الحديث) قال صاحب التبيان في تخريج أحاديث بلوغ المرام (1/ 301):تفرد به شريك بن عبد الله القاضي وهو ضعيف. وقال الدارقطني (1/ 345):تفرد به يزيد عن شرك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به. وقال الترمذي في العلل الكبير (1/ 221) وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم.
أجيب: بأن شريكا احتج به مسلم، قاله الحاكم ووافقه الذهبي.
وأجيب عن هذا: بأن شريكا لم يحتج به مسلم وإنما روى له في المتابعات كما صرح به الذهبي في الميزان، قاله ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (1/ 399)
وقال الألباني رحمه الله في صفة صلاة النبي (2/ 716):وشريك سيئ الحفظ عند جمهور علماء الحديث، وبعضهم صرح بأنه كان قد اختلط، فلذلك لا يحتج به إذا تفرد، لا سيما إذا خالف غيره من الثقات الحفاظ. اهـ.
قلت: وعلى هذا فلابد من شاهد أو متابعة لترقى بهذا الحديث من الضعف إلى حيز الاحتجاج، وقد وجد شاهد لحديث وائل وهو: ما رواه همام عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا مرسلا، ورواه شريك عن عاصم متصلا.
لكن!! هنا أشكال، الناظر لهذه المتابعة يعتقد بأن شريكا وهماما روياه عن عاصم، وليس الأمر كذلك عند أبي داود، وإنما يرويه همام عن شقيق قال: حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا مرسلا، فهمام إذن لم يروه عن عاصم، ويؤكد قبح هذا العمل ضعف شقيق الذي روى عنه همام، فإنه شقيق أبو الليث، وهو لا يعرف بغير رواية همام عنه، فإسقاطه إزالة ضعيف من الإسناد وهي التسوية، وقد تبين في كتاب المراسيل في نفس الإسناد انه شقيق أبو الليث (الوهم والإيهام لابن القطان (2/ 65 - 66).
قلت: في الحقيقة هذه لا تعتبر متابعة بل هي من باب المخالفة في الإسناد أو ما يسمى عند علماء الحديث بتدليس الإسناد لأنه اسقط الضعيف بصيغة توهم السماع ممن فوقه، وقد ذم العلماء هذا النوع من التدليس لما فيه من تغطية لحال المحذوفين مما يوقع اللبس في الحديث.
وشقيق أبو الليث هذا مجهول كما قال الحافظ في التقريب (2819) وقال الذهبي في الميزان (2/ 279):شقيق عن عاصم بن كليب وعنه همام لا يعرف اهـ. وكذا قال الطحاوي (2/ 255).
قلت: وهذا الشاهد قد توفرت فيه علتان، انه مرسل،والثانية أن فيه راو ضعيف. فتنبه. وخلاصته أن الحديث فيه مقال، يصعب معه تصحيحه. والله اعلم.
# ممن صحح حديث وائل، ابن خزيمة وابن حبان والطحاوي وابن القيم وحسنه البغوي في شرح السنة (2/ 249).
# وممن صحح حديث أبي هريرة النووي والحافظ بن حجر كما في البلوغ وعبد الحق كما في الأحكام الكبرى، وصاحب كتاب التبيان في تخريج أحاديث بلوغ المرام والعلامة الألباني وغيرهم.
قال الشيخ احمد شاكر رحمه الله في تعلقه على سنن الترمذي (2/ 58 - 59): والظاهر من أقوال العلماء في تعليل الحديثين، أن حديث أبي هريرة هذا صحيح، وهو اصح من حديث وائل، وهو حديث قولي يرجح على الحديث الفعلي، على ما هو الأرجح عند الأصوليين. اهـ.
الترجيح:
الذي يظهر والعلم عند الله بعد عرض أدلة القولين ومناقشتها والإجابة على المناقشات والاعتراضات، أن الراجح هو القول الثاني أن الأفضل تقديم اليدين قبل الركبتين، قال ابن العربي المالكي (ما قاله مالك أولى لأنه المنقول عن أهل المدينة،ولأنه اقرب إلى الخشية والخشوع) بذل المجهود (5/ 86)،وعلى كل حال فمن قدم اليدين أو الركبتين فلا حرج في ذلك ولا يعنف عليه، والمسألة خلافية والخلاف فيها قديم، ومن قال بأحد القولين وانتصر له فله في ذلك سلف.
هذا ما تيسر لي تحريره في المسألة فإن كان صوابا فمن الله، وان كان خطأ فمن نفسي، ولا عصمة لأحد غير المعصوم عليه الصلاة والسلام، ومن جد خطأ فيما تقدم فلابد من بيانه لأنه من باب التعاون على البر والتقوى.
اسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح وأن يختم لنا بصالح الأعمال انه جواد كريم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
خالد بن حمد الراضي
¥