["ملء الفراغ" .. في الدفاع عن الصحيحين .. تغطية مجملة لمؤتمر الانتصار للصحيحين بقلم أسامة شحادة.]
ـ[أبو الأزهر السلفي]ــــــــ[30 - 07 - 10, 01:36 م]ـ
جريدة الغد الأردنية / نشر: 30/ 7/2010
أسامة شحادة
أقامت كلية الشريعة في الجامعة الأردنية بمشاركة جمعية الحديث الشريف وإحياء التراث الأسبوع الماضي مؤتمر "الانتصار للصحيحين"، وقد كان للدكتور محمد خازر المجالي جهد مشكور ومقدر في إنجاح هذا المؤتمر من خلال موقعه كعميد لكلية الشريعة.
قدم في المؤتمر 45 بحثاً من باحثين أردنيين وعرب، وكانت هناك مشاركة نسائية بارزة في المؤتمر على صعيد الحضور والمشاركة في أوراق العمل.
ورغم أهمية موضوع المؤتمر، إذ يتعلق بالأصل الثاني من أصول الشريعة الإسلامية، السنة النبوية، إلا أن التغطية الإعلامية المحلية كانت معدومة قبل وأثناء وبعد المؤتمر! وهذا خلل كبير من وسائل الإعلام ومن الجهة المنظمة، ولوحظ غياب قيادات الجامعة الأردنية عن فعاليات المؤتمر رغم أنه برعاية الجامعة وفي رحابها.
هذه المؤتمرات العلمية الشرعية تعد اليوم من الأهمية بمكان بسبب ضرورة تصدي الجهات المتخصصة والرسمية للكثير من التحديات الداخلية والخارجية التي تثار حول الإسلام والشريعة والقرآن الكريم والسنة النبوية. وإذا لم تتصدّ هذه الجهات لهذه التحديات، فإنها ستفقد مصداقيتها وتأثيرها وتترك المجال مفتوحا للكثير من الأدعياء لملء الفراغ إما بالجهل والتفريط أو بالغلو والتنطع.
الكثير من الأبحاث التي قدمت في المؤتمر عالجت العديد من الإشكالات المثارة من قبل جهات وتيارات متعددة همها هدم مكانة الصحيحين والسنة النبوية في نفوس المسلمين، واتسمت المعالجات بالموضوعية والدقة العلمية.
لكن هذه المعالجات ستبقى حبيسة جلسات المؤتمر إن لم يتح لها الوصول للجمهور عبر وسائل الإعلام، وللأسف أن وسائل الإعلام عادة ما تفسح المجال فقط للطاعنين في الصحيحين على مبدأ الصحافة في أن الخبر هو "عض رجل كلب"!
من الإشكالات التي فندت في أبحاث المؤتمر إشكالية أن مؤلفي الصحيحين تعرضا لضغط سياسي تحكم في الصورة النهائية للصحيحين، وهذه الشبهة قد تروج عند بعض البسطاء، لكن الباحثين الجادين في علوم السنة النبوية يعلمون أن المحدثين كانت عندهم حساسية زائدة في الأخذ عن الرواة الذين لهم علاقة بالسلطات السياسية فكانت ترد رواية العديد من الرواة فقط لأنه ممن يدخل على السلطان.
ومن منهج أهل الحديث رفض تدخل السلطة في شؤون الدين من دون وجه حق، مع التزامهم بالوحدة الإسلامية للأمة ورفض زعزعة تجمعها، كما في موقف الإمام أحمد بن حنبل الصلب في وجه تغول المعتزلة -دعاة التنوير- بقوة السلطان لفرض آرائهم على المسلمين. ومن الأمثلة، أيضاً، على عدم خضوع أئمة الحديث لرغبات السلطان قصة الإمام البخاري مع الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى حين طلب من الإمام البخاري أن يحضر للقصر مع كتابه الصحيح وكتابه التاريخ ليقرأه عليه، فقال الإمام البخاري: أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة فاحضر في مسجدي أو في داري وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار"، هكذا كان موقف المحدثين، فكيف يسوغ لمفترى أن يزعم خضوع أئمة الحديث لرغبات السلاطين؟
ومن القضايا المهمة التي طرحت في المؤتمر قضية سبق المحدثين العالم وخصوصا المستشرقين في مناهج نقد النصوص والابتكار في توضيح الفروق واختلاف النسخ من خلال الرموز واستخدام عدة ألوان في الكتابة، قبل ظهور التقنيات الطباعية الحديثة، وقد لخص د. شوقي ضيف هذه الحقيقة بكون أسلافنا من المحدثين كانوا في قمة الدقة والإبداع في التعامل مع النصوص والكتب والمخطوطات في كتابه البحث الأدبي فقال "وإخراج اليونيني لصحيح البخاري على هذا النحو، يدل بوضوح على أن أسلافنا لم يبقوا لنا ولا للمستشرقين شيئا يمكن أن يضاف بوضوح في عالم تحقيق النصوص، ونراه ينص على مكان النسخة لا على اسم صاحبها فقط، وإذا كان قد نقص منها أجزاء مثل أصل أبي القاسم الدمشقي، الذي نقص الجزأين الثالث عشر، والثالث والثلاثين، نص على ذلك، ونراه ينص على أن جميع الأصول كانت مسموعة، وهي أعلى المراتب في تحمل الكتاب". ومن فوائد المؤتمر كشف الثغرات الهائلة في مناهج الحداثيين اليوم في نقد السنة النبوية عموما ونقد الصحيحين خصوصا، فمن الحيل التي يستند لها الحداثيون في الطعن بالصحيحين هي تجاوز تميز الصحيحين بمعايير علمية ودقيقة عالية جداً واعتبارها مثل سائر كتب الحديث والتاريخ التي تحوي الغث والسمين بسبب غياب معايير الصحيحين.
ورغم أن الحداثيين يدّعون الموضوعية والعلمية، إلا أنهم في موقفهم هذا ضربوا بعرض الحائط كل هذه المعايير العلمية التي تميزت بها أمة الإسلام عن سائر الأمم مما حفظ لها نصوص دينها بعكس سائر الأمم والفلسفات التي لا تتمكن من إثبات أساسيات معتقدها بنص موثق يمكن الركون إليه.
الرابط: من هنا ( http://www.alghad.com/?news=521905)