7 - (الحديث والقرآن) 19 - 20.
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[29 - 08 - 10, 07:21 ص]ـ
المبحث الرابع:
إهمال الأدلة المضادة
يقول الأستاذ الدكتور خالد الدريس: (من أسوأ العيوب المنهجية، وأشدها خطورة على نتائج أي بحث علمي، هي أن يتجاهل الباحث الأدلة المضادة - يعني المخالفة - لرأيه سواءً أكان ذلك بسبب إهماله أم تحيزه أم لأي سبب آخر، ويصف أحد المفكرين الغربيين العالم أو الباحث الذي يخفي الأدلة التي لا تؤيد نظريته بأنه يعد في عالم العلم "مثل المالي الغشاش، أو المحاسب الذي يزيف في دفاتره في عالم المال") (1).
ومن ذلك مثلاً في هذا الكتاب؛ استدلال الكاتب على بطلان حديث نبوي شريف، أخبر فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بأمر غيبيّ من أحوال أهل النار (2)، فالكاتب يستدل على بطلانه بأنه خبر غيب والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا يعلم الغيب؛ فيقول: (وكل ما سيحدث في يوم القيامة هو من عالم الغيب، الذي تفرّد الله بعلمه لوحده: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً") (3)، هكذا ويقف الكاتب بالآية على هذا الحدّ، مع كون جواب إشكاله الذي أورده على الحديث؛ موجود في الآية التي تليها مباشرة وهو قد رآها قطعاً، يقول تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول)، فدلت الآية على أنّ الرسول ممن استثني، فلا يظهر الله على غيبه أحداً إلا الرسل الذين ارتضاهم الله لرسالته فإنه يطلعهم على ما يشاء تعالى من غيبه.
فالكاتب لما علم أنّ بطلان استدلاله كامنٌ في الآية التالية: تركها وأعرض عنها، حتى يطمئنّ قلبُهُ إلى انطباق حال كفرة أهل الكتاب عليه؛ في قوله تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عما تعملون).
ويقول الكاتب أيضاً في معرض كلام له عن الجنة: (هذا إذا سلمنا أن الجنة عبارة عن بناء محصن، وله أبواب كما يصوّره لنا الحديث) (4)، فالكاتب كما هو ظاهرٌ ينفي عن الجنة حقيقة أمرين اثنين؛ هما:
1 - ينفي أنْ تكون عبارة عن بناء.
2 - ينفي أنْ يكون لها أبواب حقيقية.
قرّر هذه المسألة عنده دون التفات إلى وجود ما يدل على صدق ذلك أو كذبه، والواقع لكل من عرف القرآن الكريم وقرأه لطلب الهداية منه؛ أنه قد أثبت جميع ما سعى الكاتب هنا لإنكاره، فأما كونها بناء؛ فيقول الله تبارك وتعالى: (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية)، وأما كونها لها أبواب؛ فيقول الله تبارك وتعالى: (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب)، وقال تعالى: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها).
فلاحظ هذا المَزْلَقَ الخطير لمن يزعُمُ دعوةَ الناس إلى لزوم القرآن الكريم، كيف أنه -لما كانت دعوته على غير رِشْدَةٍ ولا سبيلٍ سويّةٍ مستقيمة- وقع في مثل هذا الخطأ الذي يعرفه صبيان الكتاتيب، إذ صرفه الله عن الأدلة التي تدل على أنّ ما حاجَجَ عليه ليس من الحقِّ في وِرْدٍ ولا صَدَر، ولكنه ما تأمل أدلة المسألة التي ينظر فيها، ولا ما يخالفها.
- - - - - -
الحواشي:
1 - العيوب المنهجية في كتابات المستشرق شاخت 40 - 41.
2 - وهو حديث أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري1/ 13: (يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدْ اسْوَدُّوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا أَوْ الْحَيَاةِ شَكَّ مَالِكٌ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً).
3 - (الحديث والقرآن) 30.
¥