ولا عجب؛ فقد دل القرآن الكريم على أنواع من هذا الجنس في أفعال الله تعالى، كما جعل الله تعالى ضرب قتيل بني إسرائيل ببعض البقرة الميِّتة سبباً لحياته من جديد (4)، وكما جعل ضرب موسى -عليه السلام- بعصاه: على البحر سبباً لانفلاقه (5)، وعلى الحجر سبباً لتفجُّر ينابيع الماء منه (6)، وجعل ألقاء أمِّ موسى لرضيعها موسى -عليه السلام- في البحر المغرِقِ سبباً لنجاته (7)، والتقاط آل فرعون لطريدهم موسى -عليه السلام- من اليمِّ وقدرتهم عليه سبباً لسلامة حياته (8)، وجعل ركض أيوب -عليه السلام- برجله في الأرض سبباً لانفجار مُغْتَسَلٍ من الماء بارِدٍ وشَرَاب (9)، وجعل هَزَّ مريم المرأة النُّفَسَاء الضعيفة لجذعِ النَّخْلَة المَتِين سبباً لتساقُط الرُّطب الجَنِيّ (10)، إلى غيرها من الأفعال التي لابَسَتْهَا أحوالٌ تَمْنَعُ من تحقُّق آثارها ومسبّبَاتِهَا؛ ومع ذلك تحققت لأنّ الله تعالى أراد ذلك، يقول الإمام ابن القيم: (والربُّ تعالى يخلق ما يشاء ويختار، ويصوِّرُ خلقَهُ في الأرحام كيف يشاء، بأسباب قدّرَهَا وحِكَمٍ دبَّرَهَا، وإذا شاء أنْ يَسْلُبَ تلك الأسباب قواها سَلَبَهَا، وإذا شاء أنْ يقطع مُسَبَّبَاتِهَا عنها قَطَعَهَا، وإذا شاء أنْ يُهَيِّئَ لها أسباباً أُخرى تُقَاوِمُهَا وتُعَارِضُها فَعَلَ، فإنه الفَعَّالُ لما يريد) (11).
فليس في الحديث –بحمد الله تعالى- ما يوجب الحكم عليه بالبطلان لا من جهة الإسناد ولا من جهة المتن؛ ولكن ما الحيلةُ إذا كانت سُنَّةُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تُعْرَضُ على مُسْتَامِي الخِرَق، وأرباب المَطَارِفِ والبِطَان، لتَجْرِيَ أحكامُهُم على رقابها قبولاً أو ردّاً، ولقد صدق -والله- الأول إذ قال:
عفاءً على هذا الزمانِ فإنهُ ... زمانُ عقوقٍ لا زمانُ حقوقِ (12)
- - - - - -
الحواشي:
1 - (الحديث والقرآن) 36، والحديث في صحيح البخاري- طوق النجاة - (4/ 156).
2 - المرجع السابق.
3 - لسان العرب - (15/ 151).
4 - قال تعالى: (وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون)، سورة البقرة آية 72 - 73.
5 - قال تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)، سورة الشعراء آية 63.
6 - قال تعالى: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً)، سورة البقرة آية 60.
7 - قال تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)، سورة القصص آية 7.
8 - قال تعالى: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً .. ) الآية 8 من سورة القصص.
9 - قال تعالى: (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب)، سورة ص آية 42.
10 - قال تعالى: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً)، سورة مريم آية 25.
11 - التبيان في أقسام القرآن - (1/ 203)
12 - البيت لمحمود سامي البارودي، وانظر: البديع في نقد الشعر 1/ 3.
ـ[حفيظ التلمساني السلفي]ــــــــ[12 - 11 - 10, 07:46 م]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ويعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة
أريد تعقيبا صغير جدا على ما بعض مقالتك وأرجو القبول وإن أخطأت فأرجو العذر والتوضيح:
قولك:
وبناء على تفسير الفروة بهذا المعنى: فهل يمكن لفروةٍ من الأرض يابسةٍ كهذه أن تتحوَّل إلى خضراء بمجرّد جلوس الخضر -عليه السلام- عليها؟، الجواب: أما عادةً فلا؛ وأما على سبيل الإعجاز فَنَعَمْ، والعقل لا يُحيل هذا ولا يمنعه، والنقلُ دلَّ على وقوعه وتحقُّقه كما في الحديث، (((وإنْ كان ذلك خلاف العادة.)))
قد علمنا ما عُلم من الفروة جزاك الله خيرا فقد كان غائبا عني وما أكثر ماغاب عني إلا أن أمثالكم أخي الفاضل ممن ينيرون الظلمة ويكشفون الغمة من طلبة العلم الربانيين مع كثرتهم وقلتهم وضعفي الشديد في طلب العلم يتضح لي الغائب أو بعضه بإذن الله فجزاكم عنا خير الجزاء وأوفره وأجله وإنا لكم متتبعون متبعون إلا ما شاء الله.
أما بالنسبة لما وضعته بين أقواس فلا أرى أنه كذلك وإنما أرى (والرأي يؤخذ ويرد منه) أن في هذا المقام فعل المعجزات (مع أني أعلم أنها ما سميت بمعجزات إلا لأنها ليست من العادة) من العلي القدير سبحانه عادة عندهم أو بالأحرى في زمان المتقدمين من البشر لما ورد في كتاب الجليل من قصصهم ومنها ما ذكرت فيما تأخر من مقالك والمقام لا يسمح بذكرها كلها وما أكثرها فلم يؤمنوا بها خلافا لزماننا فلم يبق منها مما سبق من الأزمنة شيء.
فأظن أنه تجدر الإشارة إلى خلاف العادة بزمن معين أو وقت مخصوص والله أعلم.
لم أستطع التعمق أكثر فرأسي يؤلمني لجهلي وتناقض الأفكار فيه فسامحني (أنا أضحك تبسما)
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
¥