النسخة إذاً صريحة النسب، مرفوعة إلى ناسخ عالم مؤرخ، عزمت على تحقيقها على مافي خط ابن فهد، من صعوبة وعسر، وبحثت عن أخت لها فأصبتها في الخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع (38)، واستحال عليَّ اجتلابها، فاجتزأت بنسختي لأصالتها ونقاء نسبها ورحت أنسخها، وهذا عنوانها واستهلا لها:
"البيان في رياضة الصبيان ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم
تأليف: شيخنا الإمام الحافظ الهمام، مفتي المسلمين
جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ثم القاهري الشافعي رحمة الله عليه آمين".
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
وقال الشيخ الإمام الحافظ الهمام مفتي المسلمين جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ثم القاهري الشافعي رحمه الله تعالى:
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فهذا تأليف لطيف في الطريق والبيان لرياضة الصبيان في أول نشوئهم، ووجه تأديبهم، وتحسين أخلاقهم سميته: البيان في رياضة الصبيان، وأسأل من الله تعالى التوفيق والهداية إلى سواء الطريق.
اعلم أن الصبي أمانة عند أبويه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، ,هو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عوِّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عوِّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم به والوالي عليه ...
وجاء في الفقرة الأخيرة من هذه الرسالة وفي خاتمتها ما مثاله:
"ثم رجعت إلى تستر فجعلت قوتي اقتصاراً على أن يشترى لي بدرهم من الشعير الفرق فيطحن لي ويخبز، فأفطر عليه عند السحر كل ليلة على أوقية، وآخذه بحتاً بغير ملح ولا إدام، فكان يكفيني ذلك الدرهم سنة. ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال ثم أفطر ليلة، ثم خمساً، ثم سبعاً، ثم خمساً وعشرين ليلة، وكنت على ذلك عشرين سنة. ثم خرجت أسيح في الأرض سبع سنين، ثم رجعت إلى تستر فكنت أقوم الليل كله.
وهذا آخر كلامه رضي الله عنه ونفعنا به، ونختم به ما ذكرناه، ولينتبه كل إنسان لمعناه، وإنها موعظة في هذا الباب. وتبصرة لأولي الألباب، والحمد لله أولاً وآخراً، وباطناً وظاهراً، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب في مجلس واحد ضحى يوم الثلاثاء ثالث شهر صفر الخير عام اثنين وأربعين وتسعمئة بمكة المكرمة على يد الفقير إلى لطف الله وكرمه محمد المدعو جار الله بن عبد العزيز بن فهد الهاشمي المكي الشافعي، لطف الله به والمسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين".
هذا ما جاء في فاتحة رسالة (البيان في رياضة الصبيان)، المخطوطة للجلال السيوطي وخاتمتها.
وذات يوم بعد فراغي من انتساخ الرسالة عرضت لي مسألة مظنتها (كتاب رياضة النفس وتهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلب، وهو الكتاب الثاني من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين) لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي المتوفى عام خمسة وخمسمئة للهجرة، كشفت في سَرَدِ عنوانات الجزء الثالث من الإحياء أبحث عن عنوان المسألة المطلوبة، وإذا بنظري يقع في السَّرَدِ على هذا العنوان:
"باب بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول نشوئهم ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم".
سررت بذلك ظاناً أنني ظفرت في الإحياء بما يغني عملي في تحقيق رسالة السيوطي، ويكمل بحثاً في تربية النشء.
وفي الصفحة /72/ من الجزء الثالث من الإحياء (39)، وقفت على الباب، قرأته فإذا في مطلعه ما مثاله:
"اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبيان (كذا) أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عوّد الخير وعلّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له ... ".
ومضيت أقرأ الباب حتى بلغت آخره ومثال الفقرة في آخره:
¥