تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقبل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه والعدول، حفظه الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته.

إذا اختلف في حديث، كان إليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع.

وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم.

المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير.

قد جعلهم الله عز وجل حراس الدين، وصرف كيد المعاندين، لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين.

فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار، اقتفاء لحديث النبي المختار.

قبلوا شريعته قولاً وفعلاً، وحرسوا سنته حفظاً ونقلاً، حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها.

وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذب بهم عنها، فهم الحفاظ لأركان، والقوامون بأمرها وشأنها، {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة: 22] ().

ولولا هؤلاء الأئمة الجهابذة النقاد الذين اصطفاهم الله عز وجل لحفظ دينه، لا ندرس الإسلام، ولغابت شمس الشريعة عن الأنام، ولأصبح الناس في ظلمة دهماء، وحيرة عمياء، لا يميزون بين الحق والباطل، ولا الصحيح من السقيم، ولارتفع صوت الإلحاد، ولضاع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كيد كائد، وحقد حاقد.

فاللهم انفعنا بمحبتهم، واحشرنا في زمرتهم، ولا تفتنا بعدهم، ولا تحرمنا أجرهم، واجعلنا من اتباعهم، وحملة لوائهم، وبلغنا شرف منزلتهم، وحسن سيرتهم، وأمتنا على ملتهم، إنك بنا خبير بصير.

فهؤلاء النقاد – لما انتشرت رواية الأحاديث الضعيفة بحسن نية من الرواة الصالحين الموصوفين بكثرة الغلط وغلبة الوهم، وبسوء نية من أصحاب الأهواء وغيرهم – شمروا عن ساعد الجد، وتأهبوا للقيام بالمهمة التي أنيطت بهم، وعزموا على تنقية السنة الشريفة من كل ما خالطها من الأباطيل والأكاذيب.

وأرسى هؤلاء القواعد لحفظ الأسانيد والمتون من الوضع والتحريف والتصحيف والأوهام؛ كما اشترطوا شروطاً وضوابط لقبول الحديث أو رده، غاية في الإتقان.

فقد بلغ هؤلاء من البراعة في الدقة، والتثبت، والاحتياط ما يحير العقول، حتى لقد حدا ببعض من لم يعرف لهم قدرهم، ولم يطلع على قدراتهم، ولم يضبط قواعد فنهم، أن رأي أحكامهم على الأخبار تصحيحاً وتضعيفاً، بكلام مجمل، فظن أنهم يدعون الغيب، أو أنهم يتكهنون!

قال أبو حاتم الرازي (): "جاء من جلة أصحاب الرأي، من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه على، فقلت في بعضها: هذا حديث خطأ؛ قد دخل لصحابه حديث في حديث. وقلت في بعضه: هذا حديث باطل وقلت في بعضه: هذا حديث منكر. وقلت في بعضه: هذا حديث كاذب، وسائر ذلك أحاديث صحاح.

فقال لي: من أين علمت أن هذا خطأ، وأن هذا باطل، وأن هذا كذب؟. أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت وأني كذبت في حديث كذا؟.

فقلت لا، وما أدري هذا الجزء من رواية من هو؟ غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأن هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب.

فقال: تدعي الغيب؟

قلت: ما هذا ادعاء الغيب.

قال: فما الدليل على ما تقول؟

قلت: سلْ عما قلتُ من يُحسنُ مثل ما أحسنُ، فإن اتفقنا، علمت أنا لم نجازف، ولم نقله إلا بفهم.

قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟

قلت: أبو زرعة.

قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟

قلت: نعم.

قال: هذا عجب. فأخذ، فكتب في كاغد ألفاطي في تلك الأحاديث، ثم رجع إلى، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث.

فما قلت إنه باطل، قال أبو زرعة: هو كذب. قلت: الكذب والباطل واحد. وما قلت إنه كذب قال أبو زرعة: هو باطل. وما قلت إنه منكر، قال: هو منكر، كما قلت: وما قلت إنه صحاح، قال أبو زرعة: هو صحاح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير