تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واستدلوا أيضًا برواية في حديث وائل بن حجر، من طريق حجاج بن نصير عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة عن وائل، وفيه " أنه صلى خلف النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فجعل يديه على بطنه " اهـ. بمعناه، انظر " مسند أحمد " (4/ 316) و" المعجم الكبير " للطبراني (22/ 110).

فرواية أحمد فيها حجاج بن نصير، وهو ممن يقبل التلقين، وقد خالف أصحاب شعبة بهذه الزيادة، فهي رواية منكرة من هذا الطريق، وأبو العنبس رواه عن وائل عند الطبراني، وقد خالف فيها أصحاب وائل، ومنهم أهل بيت وائل، وأبو العنبس نفسه قد اختلف عليه، فهي زيادة لا يحتج بها.

واستدلوا بعدة آثار عن الصحابة والتابعين، وقد تأملت هذه الآثار؛ فلم يصح منها شيء، إلا عن أبي مجلز، وقد صحح البيهقي عنه القول بوضعهما فوق السرة، ولا أعلم له دليلاً على ذلك.

وقد أشار ابن عبد البر إلى عدم صحة ذلك عن الصحابة والتابعين، انظر " التمهيد " (20/ 75).

واستدل من قال بوضعهما على الصدر بأدلة، وهي:

1 - حديث وائل بن حجر، وله طريقان:

(أ) أخرجه ابن خزيمة برقم (479) من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان بن عاصم بن كليب عن أبيه وائل، وفيه: " ووضعهما على صدره ".

ومُؤَمَّل بن إسماعيل لا يحتج به، وقد خالف كبار الحفاظ من أصحاب سفيان، مثل: الفريابي، وعبدالرزاق، وأبي الأحوص، والحميدي، وأبي نعيم، وغيرهم، فهي رواية منكرة لا يستشهد بها.

(ب) ومن طريق محمد بن حجر الحضرمي، ثنا سعيد بن عبدالجبار بن وائل عن أبيه عن أمه عن وائل، قال: " حضرت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حين نهض إلى المسجد، فدخل المحراب، ثم رفع يديه بالتكبير، ثم وضع يمينه على يُسراه على صدره " أخرجه ابن عدي في " الكامل " (6/ 2166) وغيره.

وهذا سند مسلسل بالعلل: فمحمد بن حُجر ضعيف، وكذا شيخه سعيد، وعبدالجبار قيل: إنه لم يسمع من أمه، وأمه مجهولة، ففي النفس شيء من الاستشهاد مثل هذا السند أيضًا.

2 - حديث الهُلْب الطائي، واسمه يزيد بن قنافة:

من طريق سماك عن قبيصة بن هُلب عن أبيه، قال: " رأيت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ينصرف عن يمينه وعن يساره، ورأيته يضع هذه على صدره " أخرجه أحمد (5/ 226).

وهو حديث إلى النكارة أقرب، فقد اختلف فيه على سفيان، فرَوَى الوضع على الصدر يحيى بن سعيد، ولم يروه وكيع، وقد توبع سفيان - كما في رواية وكيع عنه على عدم ذكر الوضع - من زائدة، وشعبة، وشريك، وأبي الأحوص، وغيرهم، والعهدة في هذا الاختلاف على قبيصة بن الهُلْب، فإنه ممن لا يحتج به، ولا حاجة إلى البحث في حفظ القطان أو وهمه، وهو جبل في الحفظ، لأن العهدة في هذا الاضطراب على قبيصة، والله أعلم.

3 - واستدلوا أيضًا بمرسل طاووس: وقد أخرجه أبو داود برقم (759) من طريق سليمان بن موسى عن طاووس، قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بينهما على صدره، وهو في الصلاة ". وعندي أن سليمان بن موسى فيه لين - وإن مدحوه في الفقه - لأن من جرحه في الحديث أكثر وأفهم بهذا الشأن ممن أطلق فيه التوثيق، ويمكن حمل إطلاق توثيقه على روايته عن الزهري ومكحول، لقول ابن معين وغيره، وعلى هذا؛ فهذا مرسل فيه علة أخرى غير الإرسال، والله أعلم.

واستدلوا بأثر علي - رضي الله عنه - في تفسير قول الله عز وجل: ((فصل لربك وانحر)) قال: " وضع يده اليمنى على ساعده اليسرى، ثم وضعهما على صدره " أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (6/ 437) وفيه اختلاف على عليّ، وقد خولف في هذا التفسير - لو افترضنا صحته عنه - وبنحو ذلك أثر الشعبي عند الطبري (15/ 325) وفيه محمد بن حميد الرازي، وهو متهم.

هذا محصل ما استدل به من قال بالوضع على الصدر، وفي النفس من ذلك شيء من الناحية الحديثية، إلا أن هذا القول أولى من غيره عندي - على ما فيه - لأن أسانيد أدلته أفضل من أسانيد أدلة الأقوال الأخرى، وقد يتقوى بحديث سهل بن سعد الساعدي عند البخاري: " كان الناس يُؤْمَرُون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " فالظاهر أن وضع اليد اليمنى على كل الذراع اليسرى، يكون قريبًا من الوضع على الصدر، وهذا الذي ذهب إليه شيخنا محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - كما في " الشرح الممتع " (3/ 46) ومع ذلك فليس هذا بمتعين، والذي أنصح به أن لا يُنكر أحد على أحد في ذلك للخلاف السابق، إنما يكتفى ببيان ما يترجح عنده دون تهاجر أو تدابر.

(تنبيه): بعض الناس يضعهما على جنبه الأيسر بحجة أنه جانب القلب، وهذا خلاف السنة الواردة في حديث سهل بن سعد، وهذه الهيئة قريبة من الاختصار المنهي عنه في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة: " أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نهى أن يصلي الرجل مختصرًا " وفي هذه الهيئة إجحاف لعدم التوسط في البدن اهـ بمعناه من كلام شيخنا ابن عثيمين - حفظه الله - في " الشرح الممتع " (3/ 47). اهـ.

السلسلة ص 562 - 567.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير