ثم انظر كلام العلامة الألباني- رحمه الله – في كتاب تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 219 حيث قال: إن تفرد زائدة بالتصريح بالتحريك مما لا يسوغ الحكم على روايته بالشذوذ للأسباب الأتي بيانها:
أولا: تلقي العلماء لها بالتسليم بصحتها، حتى من الذين لم يعملوا بها،كالبيهقي و النووي و غيرهما، فإنهم اتفقوا جميعاً على تأويلها و تفسيرها، سواء في ذلك من صرح بالتصحيح أو من سلم به، و ليس يخفى على أحد أن التأويل فرع التصحيح، و لولا ذلك لما تكلف البيهقي تأويل التحريك بالإشارة بها دون تحريكها (سنن البيهقي الكبرى ج2/ 131) و لاستغنى عن ذلك بإعلالها بالشذوذ،و بخاصة أن البيهقي إنما حمله على التأويل حديث ابن الزبير المصرح بعدم التحريك، (وهو حديث شاذ).
ثانيا: الإشارة في تلك الروايات ليست نصا في نفي التحريك؛ لما هو معهود في النص اللغوي أنه قد يقترن معها التحريك في كثير من الأحيان.
و خير دليل على ذلك حديث عائشة – رضي الله عنها- في صلاة الصحابة خلف النبي – صلى الله عليه و سلم- قياما و هو قاعد، فأشار إليهم أن اجلسوا (متفق عليه). و كل ذي لب يفهم منه أن إشارته هذه لم تكن بمجرد رفعه يده في رده السلام على الأنصار و هو يصلي؛ بل كانت مقرونة مع التحريك. فإذن لا ينبغي أن يفهم من تلك الروايات أنها مخالفة لرواية التحريك بل موافقة لها ...... فنصب الخلاف بينهما غير سليم لغة و فقها.
ثم قال في ص 222: من الخطأ الجلي رد التحريك المذكور فيها لتفرد زائدة بن قدامة به دون سائر أصحاب عاصم بن كليب و ذلك لأمرين:
الأول: أنهم رأوا الإشارة و هي لا تنافي التحريك كما تقدم.
الثاني: ثقة زائدة و شدة تثبته في روايته عن شيوخه، فإن الأئمة مع إجماع على توثيقه و احتجاج الشيخين به، فقد قال ابن حبان في الثقات: كان من الحفاظ المتقنين، و كان لا يعد السماع حتى يسمعه ثلاث مرات و كان لا يحدث أحدا حتى يشهد عنده عدل أنه من أهل السنة.
و قال الدارقطني: كان من الأثبات الأئمة.انتهى كلامه.
و بعد فالراجح بأن زيادة يحركها ليست شاذة و لا تنافي الروايات الأخرى.و الله أعلم
و في هذا القدر كفاية، و أسأل الله أن يوفقني و إياك إلى معرفة الحق و العمل به.
و سبحانك الله و بحمدك أستغفرك و أتوب إليك
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[20 - 09 - 05, 11:22 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخي الكريم ..
لم تجب على سؤالي: رجلٌ ذكر كلمةً، ورجال لم يذكروها، هل هذه موافقة لبعضهم أو مخالفة؟!
ثم إنك قلت: "وهذا إصرارا [صح: إصرارٌ] منك على ترجيح رواية على أخرى؛ و لا يصار لمثله هنا للأسباب التالية:
أولا: أنه لا تنافي و لا تعارض بين الروايتين
ثانياً: لو سلمنا بتعارض الروايتين فالجمع ممكن. "
أخي العزيز الروايتان اللتان عندنا هنا هما:
1 - جماعةٌ من الثقات الأثبات فيهم شعبة والسفيانان لم يذكروا لفظةً.
2 - واحد من الثقات الأثبات ذكرها.
فهل ترى أنهما غير متعارضتين؟ ولو سلمتَ بأنهما متعارضتان، هل يمكن الجمع بينهما؟
ولماذا تهمل رواية أحد عشر رجلاً (بل قد بلغوا أربعة أو خمسة عشر) أكثرهم ثقاتٍ، وتصرُّ على ترجيح رواية واحدٍ؟!
وأنا أعرف أن زائدة بن قدامة ثقة ثبت متثبت في شيوخه، لكن شعبة أوثق منه، وسفيان الثوري أوثق منه، وسفيان بن عيينة أوثق منه، والجماعة المذكورون كلهم ثقات، فكيف نساوي ثقة ثبتًا واحدًا بعشر ثقاتٍ أثبات؟!! وكيف نجعل ما رواه وحده وتركوه جميعهم صحيحًا؟! وهل يعقل أن يتوارد كل أولئك على خطأ، وينفرد زائدة بالصواب؟!
هذا عجيب.
أخي العزيز، هناك مشكلة عند بعض الباحثين في هذا العلم، هو تعظيم الثقة، أو الثقة الثبت، والظن بأنه لا يمكن أن يخطئ، ومن خطَّأه فإنه يضعّفه أو ينقص من قدره!
والأمر ليس كذلك، وأوضحته فيما قبل.
أما كلام الألباني، فقد اطلعت عليه قديمًا، وهو مردود بفعل الشيخ نفسه - رحمه الله -: قال أحد طلاب الشيخ مقبل الوادعي في كتابٍ له: "اجتمع شيخنا أبو عبد الرحمن الوادعي رحمه الله بشيخنا الإمام العلامة أبي إبراهيم محمد بن عبد الوهاب الوصابي حفظه الله قبل خمس سنوات أو أكثر بدار الحديث بدماج بعد صلاة العصر وكنت حاضرًا معهما، فدار نقاش حول هذه الزيادة، فقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب حفظه الله: إن زائدة بن قدامة ثقة، وإن الشيخ الألباني قد صح هذه الزيادة.
فأجابه شيخنا أبو عبد الرحمن رحمه الله: إن الشيخ الألباني قد حكم على زيادة تفرد بها زائدة في حديث آخر وخالف راويين بالشذوذ، وهو في هذا الحديث قد خالف خمسة عشر راويًا، فإذا لم تكن هذه الزيادة شاذة، فليس في الدنيا شاذ! ".
وصدق رحمه الله، فشذوذ هذه الزيادة مما لا يحتاج توضيحًا، لكن .. الله المستعان.
أما عدم منافاة الإشارةِ التحريكَ، فقد نبَّه العلماء إلى خطأ ذلك، وأشرت إلى طرفٍ منه في مشاركتي السابقة، وإن كان الأمر كما قلتُ: لا يلزم هنا، فالمنهج الصحيح يقتضي ضعف اللفظة ولو كان معناهما واحدًا.
هذا ما عندي أخي الكريم. فإن قبلتَه فبها ونعمت، وإن لم، فلكلٍّ رأيٌ، والاختلاف لا يفسد للودِّ قضيةً، وأشكرك على لطيف خلقك، وحسن معشرك، وأعتذر إن كنت أخطأت في حقك.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
¥