وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)). وروى الإمام أحمد رحمه الله في المسند جـ 4 ص 216 بإسنادٍ صحيح أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: (يا رسول الله، حال الشيطان بيني وبين صلاتي وبين قراءتي)، قال: ((ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً))، قال: ففعلت ذاك فأذهبه الله عز وجل عني).
كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين حتى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الله أعانه عليه فأسلم فلا يأمره إلا بخير. وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه، وأنا أذكر لك أخي المبارك ما تيسر من كلام أهل العلم في ذلك إن شاء الله.
بيان كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى:
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [4]، قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، ما نصه: (يعني بذلك يخبله الشيطان في الدنيا وهو الذي يخنقه فيصرعه من المس يعني: من الجنون)
وقال البغوي رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، (أي: الجنون. يقال: مُس الرجل فهو ممسوس إذا كان مجنوناً) أ هـ.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [5]، (أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً).
وقال ابن عباس رضي الله عنه: (آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق) رواه ابن أبي حاتم.
قال: وروي عن عوف ابن مالك وسعيد بن جبير والسدي والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله. وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [6]، (في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس). أ هـ.
وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير من أراده وجده.
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه [إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين] الموجود في مجموع الفتاوى جـ 19 ص 9 إلى ص 65 ما نصه بعد كلام سبق. (ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون: أن الجني يدخل في بدن المصروع، كما قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: (قلت: لأبي إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي، فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه وهذا مبسوط في موضعه).
وقال أيضاً رحمه الله في جـ 24 من الفتاوى ص 276 - 277 ما نصه: (وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)).
¥