وقال أيضا: قال حرب الكرماني سألت أحمد بن حنبل -رحمه الله- عن الحديث يروى من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته فقال: لا أصل له، وأصله من كلام إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، قال: بلغنا، ولم نر عمن بلغه ذلك. (أحاديث القصاص 47)
قلت: هكذا في الموضعين: "ابن المنتشر عن أبيه قال"، ولعله تصحف عن: "ابن المنتشر أنه قال".
وقال ابن تيمية: ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة، ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب. (مجموع الفتاوى 25/ 300)، وتقدم نقل سماحة الشيخ لكلام ابن تيمية بطوله في موضع آخر منه.
وقال أيضا: الخبر بذلك كذب اتفاقا، وغلط من صحح سنده. (نقله ابن مفلح في الفروع 3/ 85)
وضعفه الشمس ابن عبد الهادي. (رسالة لطيفة ص49)، وفصّل أكثر (ص58 - 59) قائلا: وكذلك قد يروج على كثير ممن ينتسب إلى السنة أحاديث يظنونها من السنة، وهي كذب باتفاق أهل المعرفة، كالأحاديث المروية في فضل عاشوراء -غير الصوم- وفضل الكحل فيه، والاغتسال والخضاب والمصافحة، وتوسعة النفقة على العيال فيه، ونحو ذلك، وليس في عاشوراء حديث صحيح غير الصوم، وكذلك ما يُروى من فضل صلوات معينة فيه، فهذا كله كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة، ولم ينقل هذه الأحاديث أحد من أئمة أهل العلم في كتبهم، ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن الحديث الذي يُروى: "من وسع على أهله يوم عاشوراء .. " فقال: لا أصل له. انتهى.
وقال الذهبي: الخبر موضوع. (الميزان 3/ 158)
وقال ابن القيم: ومنها أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء والتزين والتوسعة والصلاة فيه وغير ذلك من فضائل؛ لا يصح منها شيء، ولا حديث واحد، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء غير أحاديث صيامه، وما عداها فباطل، وأمثل ما فيها: "من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته"، قال الإمام أحمد: لا يصح هذا الحديث، وأما حديث الاكتحال والادهان والتطيب فمن وضع الكذابين، وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن، والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة، وأهل السنة يفعلون فيه ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع. (المنار المنيف 111 - 112)
وقال الشاطبي: .. فمنها اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة والمكذوب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها كحديث الاكتحال يوم عاشوراء .. (الاعتصام 224)
وقال ابن رجب: لا يصح إسناده، وقد روي من وجوه متعددة لا يصح منها شيء. (لطائف المعارف، وقد نقل سماحة الشيخ كلامه بطوله أعلاه)
وقال المجد اللغوي: ما يروى في فضل صوم عاشوراء والصلاة فيه والإنفاق والخضاب والادهان والاكتحال بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه. (فيض القدير 6/ 236) قلت: أما الصيام فثابت.
وقال السيوطي: وقد روي في الفضل في التوسعة فيه على العيال حديث ضعيف. (الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي 189)
وقال الشوكاني إنه موضوع. (الفوائد المجموعة 99)
وتعقب المعلمي من صححه، وقال: إن طرقه يوهن بعضها بعضا. (حاشية الفوائد المجموعة 100)
وأفرد محمد الزمزمي الغماري رسالة بعنوان: إتحاف الشرفاء في إبطال حديث التوسعة يوم عاشوراء، ردّ فيها على أخيه أحمد الذي صحح الحديث.
وقال الألباني: هو حديث ضعيف من جميع طرقه، وحكم عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بالوضع فما أبعد، والشريعة لا تثبت بالتجربة. (المشكاة 1926)، وانظر تمام المنة له (410 - 412)
وحكم عليه سماحة الشيخ ابن باز بالوضع.
وفي المقابل فقد تساهل البيهقي في قوله: أسانيده كلها ضعيفة، ولكن إذا ضُم بعضها إلى بعض أفاد قوة، والله أعلم. (شعب الإيمان 7/ 379)
وكذا حسنه العراقي في أماليه. (المقاصد الحسنة 1193 والدرر المنتثرة 427)، وهذا غير جزئه المفرد في التوسعة، كما يُفهم من نقل السخاوي والسيوطي.
وقال ابن حجر عن طريقَي أبي سعيد: لولا الرجل المبهم لكان إسناده جيدا، لكنه يقوى بالذي قبله. (الأمالي المطلقة 28)
وناقض السيوطي تضعيفه السابق ذكره؛ فقال: بل هو ثابت صحيح! (الدرر المشتهرة 427)
وتبعهم غالب من صنَّف في الأحاديث المشتهرة بعدهم، وجلُّهم حاطب ليل، ينقل ولا يحقق.
ولأحمد الغماري جزء مطبوع أسماه هدية الصغراء صحح فيه الحديث –مع أنه شيعي! - وردَّ فيه على جماعة من الأئمة بمنطق بعيد كل البعد عن الصناعة الحديثية.
وتصحيحهم متعقب كما تقدم، والتحقيق أن الحديث موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم، وكل طرقه واهية أو موضوعة، فلا تصلح للتقوية.
فإذا كان هذا حال حديث التوسعة على العيال -وهو أقوى ما ورد في الباب كما نص ابن تيمية وغيره- فأحاديث الاغتسال والاكتحال والخضاب والتطيب فيه أضعف وأضعف، والله أعلم.
كتبه محمد زياد التكلة، حامدا مصليا مسلما، الرياض 10/ 11/1425
¥