تخريج الرِّواية
قال الإمام الطَّحاوي رَحِمَهُ اللهُ حدثنا فهد بن سليمان قال: حدثنا عمرو بن عون الواسطي قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن عاصم، عن شقيق، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه نارا، فلما ارتفع عنه قال: علام جلدتموني؟، قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره».
أقول أنا خالد بن عمر: هَذَا الإسناد غريب جدَّا، وقد بحثت حسب جهدي وطاقتي عندما خرَّجته أول مرَّة عن رواية فيها سماع لعمرو بن عون الواسطي من جعفر بن سليمان (الضُّبَعي) فلم أجد رواية واحدة، وبحثت أيضا عن سماع لجعفر بن سليمان (الضُّبعي) من عاصم بن أبي النُّجود فلم أظفر بإسناد واحد، وقد حدث نقاش طويل بيني وبين الإخوة في ملتقى أهل الحديث عن ذلك، فهم يرون أنَّ التَّفَّرُّد بهذا الإسناد وإن وجد، فهو غير مؤثر مع ثقة الرُّواة، وأنا كنت مصرّا على أن ذلك علَّة، فكيف يتفرد جعفر بن سليمان الضُّبعي (الشيعي) عن عاصم بن أبي النُّجود بهذه الرِّواية مع أنَّ جميع من ألَّف في الرِّجال لم يذكر أن جعفر بن سليمان سمع من عاصم.
وقد أهمَّني ذلك كثيرا، لأني كنت أبحث عن الحق لا غيره؛ وكذلك الإخوة، ثم خطرت ببالي خاطرة في القراءة والبحث عنها في كتاب " أهوال القبور " لابن رجب رَحِمَهُ اللهُ لعلِّي أجد كلاما حول هذه الرِّواية أو إشارة إليها فهو رَحِمَهُ اللهُ من العلماء المعروفين بسعة اطلاعهم ومعرفتهم، وتوسُّعهم في نقولاتهم، فصدق حدسي، فقد وجدت ما ظننت والحمد لله، فقد ذكر هَذَه الرِّواية فَقَالَ:
165 - وروى عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحق عن أبي ميسرة عن شرحبيل قال: مات رجل فلما أخل في قبره أتته الملائكة فقالوا: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله ...
ورويناه من طريق حفص بن سليمان القاري وهو ضعيف جداً عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فسجدت شكرا لله تَعَالَى على هذه الفائدة النفيسة الَّتِيْ وجدتها، ثم بينت للإخوة العلَّة الحقيقيَّة للرِّواية، وهي تصحيف اسم " حفص بن سليمان " إلى جعفر بن سليمان "، وأن حفصا معروف بالرِّواية عن عاصم وهو صاحب رواية القرآن عنه، لكنَّه ضعيف في الحديث، وهو علَّة هذه الرِّواية، وبقي بعضهم في شكٍّ منها مع أنها واضحة وضوح الشَّمس، حتى بين لنا الأخ الفاضل أبو إسحاق التطواني وفقه الله إسناد هذه الرِّواية من كتاب الزُّهديات لابن الجوزي الَّذِيْ رواها من طريق (ابن سمعون الواعظ) وهي فيه على الصَّواب " حفص بن سليمان ".
وأعتذر عن هذه المقدِّمة، لكني أثبتها هنا ليعلم الإخوة أن مذاكرة طلبة العلم يخرج بسببها درر وفوائد عظيمة قد لا يجدها الإنسان خلال أبحاثه الطَّويلة، وهذا والله من أعظم ما استفدته من إخواني ومشايخي طلبة العلم في ملتقى أهل الحديث حفظ الله القائمين عليه وبارك في جهودهم وجهود المشاركين، فقد تعلمنا منهم العلم والأدب والتَّحاور بالحسنى وإن اختلفنا، لأن هدفنا الوصول للحق وعدم التَّعصُّب لأحد.
تخريج الرِّواية والكلام على طرقها
جاءت هذه الرِّواية بألفاظ متقاربة من ثلاث طرق:
1 - عن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
2 - عن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
3 - عن عمرو بن شرحبيل رَحِمَهُ اللهُ مرسلة
أولا: رواية ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
جاءت هذه الرِّواية عنه من طريقين ضعيفين لا يصحَّان، وقد اغترَّ بعض الأئمة بظاهر أحدهما دون تدقيق فصحَّحاه واحتجَّا به وهو:
1 - ما روي عن عمرو بن عون الواسطي قَالَ حدَّثنا حفص بن سليمان عن عاصم عن شقيق عن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... به (2).
¥