ـ[مختار الديرة]ــــــــ[22 - 12 - 06, 02:14 م]ـ
فتاوى
العنوان الرايات السود في أحاديث الفتن
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 23/ 7/1423هـ
السؤال
ما تحقيق القول في مرويات الرايات السود الواردة في أحاديث الفتن المرفوعة والموقوفة؟ وكذا الأحاديث التي ورد فيها ذكر السفياني؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إن أحاديث وروايات ظهور (الرايات السود) و (السفياني) من الأحاديث التي تعددت طرقها وألفاظها في كتب الملاحم وأشراط الساعة، حتى إن طرقها لتكاد تملأ مصنفاً كاملاً، وقد فرح بها فرق وطوائف، فزادوا فيها، وما زالوا!!
ومن طالع تلك الأحاديث تذكر قول الإمام أحمد:"ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير" (الجامع) للخطيب رقم (1536)، وهو يعني بذلك: كثرة الكذب والروايات المردودة في هذه الأبواب الثلاثة، وقلة ما يصح فيها من الأحاديث.
فحديث (الرايات السود) له طرق وألفاظ بالغة الكثرة، وقد امتلأ بها كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد.
لكني لم أجد فيها حديثاً صالحاً للاحتجاج، لا مرفوعاً، ولا موقوفاً على أحد الصحابة.
وأقوى ما ورد فيها من المرفوع –وليس فيها قوي-، الأحاديث التالية:
أولاً: حديث ثوبان –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من خراسان فأتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي"، وله ألفاظ أخرى مطولة.
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد (5/ 277) من طريق شريك بن عبد الله، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي قلابة، عن ثوبان به.
وهذا إسناد منقطع، حيث إن أبا قلابة لم يسمع من ثوبان شيئاً، كما قال العجلي رقم (888).
وقد ذكره ابن الجوزي من هذا الوجه في (العلل المتناهية رقم 1445)، وأعله بعلي بن زيد بن جدعان.
وأخرجه ابن ماجة رقم (4084)، والبزار في مسنده (المخطوط –النسخة الكتانية- 223)، من طرق صحيحة عن عبد الرزاق الصنعاني، عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، بنحوه مطولاً مرفوعاً.
وقال البزار عقبه:"إسناده إسناد صحيح".
وقال البيهقي عقبه في (الدلائل 6/ 515):"تفرد به عبد الرزاق عن الثوري".
قلت: إسناده أقل أحواله الحُسن في الظاهر، وحتى التفرد الذي ذكره البيهقي منتقض بما أخرجه الحاكم في (المستدرك 4/ 463 - 464)، قال:"أخبرنا أبو عبد الله الصفار: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أورمة: حدثنا الحسين بن حفص: حدثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان ... "، وقال الحاكم عقبه:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين".
وقد نقل هذا الإسناد –كما ذكرته- الحافظ ابن حجر في (إتحاف المهرة 3/ 53 رقم 2513)، مما يُبعد احتمال وقوع خطأ مطبعي فيه.
وإسناد الحاكم رجاله ثقات، إلا محمد بن إبراهيم بن أورمة، فلم أجد له ذكراً، إلا في هذا الإسناد الذي صححه الحاكم.
لكن للحديث وجه آخر أخرجه الحاكم (4/ 502)، وعنه البيهقي في (الدلائل 6/ 516)، من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان موقوفاً عليه غير مرفوع إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-.
قلت: فمع هذا الاضطراب في إسناده، مع نكارة متنه، وعدم قيام إسناد من أسانيده، بتحمل هذا الحد من التفرد لا أستطيع أن أطمئن إلى قبول هذا الحديث، خاصة مع عبارات لبعض أئمة النقد، تدل على تضعيف الحديث من جميع وجوهه.
بل قد وقفت على إعلالٍ خاصّ واستنكار خاص لهذا الحديث على خالد الحذاء (مع ثقته) فقد جاء في العلل للإمام أحمد برواية ابنه عبد الله رقم (2443): "حدثني أبي، قال: قيل لابن عُليّة في هذا الحديث: كان خالد يرويه، فلم يلتفت إليه، ضعف ابن عليّه أمره. يعني حديث خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في الرايات" وانظر الضعفاء للعقيلي – ترجمة خالد بن مهران الحذاء – (2/ 351 رقم 403) والمنتخب من علل الخلال لابن قدامة (رقم 170).
¥